آفة المسلمين عدم معرفة حقوق علمائهم

هذه الآيات تشتمل على آداب طالب العلم، والآفة التي يعاني المسلمون منها أنهم لا يعرفون لعلمائهم حقهم ولا يوقرونهم، بدعوى: (نحن رجال وهم رجال) ، لدرجة أنني رأيت موقفاً غريباً جداً كنت أنا أحد الأطراف فيه، شاب ممن يكفر جماعة المسلمين بارتكاب المعاصي والذين أطلقوا عليهم جماعة التكفير.

قلت له في مسألة ما: قال ابن عباس كذا وكذا، قال: هم رجال ونحن رجال!! فقلت: أنا أقول لك: قال ابن عباس، لا أقول لك قال الشافعي ولا أحمد ولا البخاري ولا مسلم ولا إسحاق برغم أنني لو ذكرت هذه الأسماء لوجب عليك أن تنصاع؛ لأنهم أئمة على نقلهم نصلي.

قال: هم رجال ونحن رجال.

فقلت: إن كنت تقصد بقولك: هم رجال ونحن رجال، في الذكورة فأنا أقر بهذا، أنت ذكر وهو ذكر، لك شارب وله شارب، لك لحية وله لحية، إن كانت الذكورة التي تعنيها هي هذه المواصفات فأنا لا أختلف معك.

ولكن إن كانت الذكورة هي العقل ورجاحته والتقوى ورجاحتها فأنا أختلف معك، ولا يخالف أي عاقل في ابن عباس الذي قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) .

قال لي: وما يدريك أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم استجيبت؟ سبحان ربي! قال الله عز وجل لعباده جميعاً: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] فتكفل الله عز وجل بمقتضى هذه الآية بأنه إذا دعا أي رجل أية دعوة فإنه يستجيب له ما لم يكن بظلم أو قطيعة رحم، فإن كان الله يستجيب لآحاد الناس ألا يستجيب لنبيه؟ هم رجال، وأما نحن فلا ندانيهم ولا يساوي الواحد منا مسماراً في نعل واحد منهم، كيف وقد فتحوا الدنيا ونصروا الدين على أكتافهم، ونحن متخاذلون، وحياتنا كلها بدع، كانوا في القديم حياتهم بين بدعة وسنة، وكانت هناك بدع، ولكن كان في مقابل البدع سنن، أما نحن الآن فندور بين بدعة وردة، وأغلبنا مقلد لا يعرف شيئاً عن دينه الصحيح إلا الإمام.

أين رجولتكم وقد ضاعت بلادكم من بين أيدكم؟ أين رجولتكم وبطونكم في أيدي عدوكم، لا تأكلون إلا فتاتاً يرميها لكم؟ أين رجولتكم؟ هم رجال ونحن رجال في الأسماء، فتشابه الألفاظ فقط هذا رجل وهذا رجل، نبينا صلى الله عليه وسلم رجل وأبو جهل رجل لكن شتان ما بين الرجلين، هذا خير من وطئ الحصى، وذاك شر من وطئ الحصى، وإن اشتركوا في الأسماء الظاهرية فقط.

أسلافنا رجال في تقواهم وورعهم وفي كل شيء يفعلونه، فأنظر إليهم في عنفوانهم كيف كانوا يطلبون العلم من العالم، بالرغم من أنه كان في القديم إذا مات عالم تجد مائة ألف عالم، أما في هذا العصر فإذا مات عالم شغر مكانه، وبعد سنوات طوال تجد من يسد مكان العالم، فالعالم جوهرة، يكفي أنه يبين مراد الله في الأرض، وحسبه أنه يفعل كذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015