وهو يهدد بقتل مبعوث الإمبراطور، ولشد ما تخشى الملكة أن يقطع كل منهم رقبة الآخر في حضرتها (28). ولا بد أنها أحست بشيء من الرضا حين قدم لها فيليب الثاني، وهو أعظم عاهل في العالم المسيحي يده المحنكة (1559)، ولكنها رفضت هذه الحيلة لتحويل إنجلترا إلى ولاية كاثوليكية تابعة لأسبانيا. وتمهلت طويلاً في الرد على اقتراح من شارل التاسع ملك فرنسا.
كانت آنذاك تسلك سلوكاً محموداً. وشكا السفير الفرنسي "من أن الدنيا خلقت في ستة أيام، وأن الملكة قضت حتى الآن ثمانين يوماً، ولا تزال مترددة". فأجابت هي جواباً بارعاً ماكراً بأن الدنيا "خلقها من هو أعظم منها (29) ". وبعد عامين أوعزت لوكلاء إنجلترا أن يقترحوا زواجها من شارل أرشيدوق النمسا، ولكنها بتحريض من ليستر تخلت عن هذه الفكرة. ولما كان الموقف الدولي يقتضي مسايرة فرنسا (1570)، فقد تشجع دوق ألنسون (ابن هنري الثاني من كترين دي مديتشي) على التفكير في أن يصبح زوجاً في السادسة والعشرين لملكة في السابعة والثلاثين، ولكن المفاوضات توقفت بسبب ثلاث عقبات-مذهبه الكاثوليكي، وشبابه غير الناضج وندوب في انفه. وانقضت خمس سنوات ذللت فيها إحدى هذه العقبات، واتجه التفكير مرة أخرى إلى ألنسون الذي أصبح الآن دوق أنجو، ودهي إلى لندن، ولمدة خمس سنوات أخرى غررت إليزابث به وبفرنسا. وعقب فترة أخيرة (1581) تلاشت هذه المغازلة المرحة، وانسحب دوق أنجو من الميدان، وهو يلوح برباط لجورب الملكة تذكاراً لهذه الواقعة، وكانت الملكة في نفس الوقت قد منعته من الزواج من ابنة ملك أسبانيا، ومن ثم حالت دون تحالف عدوتيها فرنسا وأسبانيا. وقل أن غنمت امرأة مثل هذا الغنم من عقمها، أو نعمت بمثل هذا اللهو والسرور من عذريتها.
وجدت الملكة في تودد هذه الزمرة من رجال عصرها النشيطين المكتملين رجولة وقوة إليها وملاطفتهم إياها- نقول وجدت ارتياحاً ورضا أكثر مما هو في