قصه الحضاره (صفحة 8824)

هي والبابوية لإسبانيا، وجف عود النهضة الإيطالية تحت رئاسته الكئيبة، وهزم فرانسيس وأسره، ولكن ضاعت منه في مدريد فرصة ملكية ليبرم معه معاهدة كانت حرية بأن تنقذ ما كل الوجوه ومائة ألف روح. وعاون في إعادة سليمان إلى بلاده في فيينا، وصد بارباروسا في البحر الأبيض المتوسط، وقوى مركز آل هايسبورج، ولكنه أضعف الإمبراطوريّة، وفقد اللورين وسلم بورغنديا، وأحبط أمراء ألمانيا محاولة لتركيز السلطة هناك، وكانت الإمبراطوريّة الرومانية المقدسة منذ عهده نسيجاً واهياً، تنتظر نابليون ليحكم بإعدامها، وفشلت جهوده لسحق البروتستانتية في ألمانيا، وترك الأسلوب الذي انتهجه في قمعها في الأراضي المنخفضة تراثاً محزناً لابنه. وكان قد وجد المُدن الألمانية مزدهرة وحرة، وتركها ترزح ألماً تحت وطأة إقطاع رجعي، وعندما جاء إلى ألمانيا كانت تنبض بالحياة، فيها أفكار ونشاط تبز بهما أية أمة أخرى في أوربا وعندما تنازل عن عرشه كانت ضعيفة واهنة روحياً وفكرياً، وظلت جدباء مدى قرنين. وكانت السياسة التي انتهجها في ألمانيا وإيطاليا سبباً واهياً لما لحقهما من ضعف، أما في إسبانيا فكان عمله هو الذي سحق حرية البلديات وقوتها، وكان حرياً بأن يبقي إنجلترا في حظيرة الكنيسة بإقناع كاثرين أن تسلم بحاجة هنري إلى وريث، وبدلاً من أن يفعل ذلك أجبر كليمنت على اتخاذ موقف فيه تذبذب، يؤدي إلى الخراب.

ومع ذلك فإن استبصارنا المتأخر هو الذي يرى أخطاءه وجسامتها، وفي وسع حسنا التاريخي أن يصفح عنها باعتبارها متأصلة بجذورها في قيود بيئته العقلية وفي أوهام العصر العاتية. وكان اقدر سياسي بين معاصريه، ولكنه لم يكن كذلك إلا بمعنى أنه عالج بشجاعة أعمق موضوعات النزاع في أوسع مدى وصلت إليه. وكان رجلاً عظيماً حطت من شأنه مشكلات عصره وحطمته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015