ومتنبئين وقديسين، وأبطالا، وأربابا. وقد استخدم فنه الجسم الآدمي وسيلة له وواسطة، ولكن هذه الأشكال البشرية، كانت عنده هي التجسيم المعذب لآماله، ومخاوفه، وفلسفته المضطربة، وعقيدته الدينية التي خبا لهيبها.
وكان النحت فنه الخاص المحبب المميز له عن غيره من الفنانين، لأنه هو أعظم الفنون التشكيلية، ولم يلون تماثيله في يوم من الأيام لأنه كان يشعر بأن شكلها كفايتها، بل إن البرنز نفسه كان فيه من اللون أكثر مما يطيق، ولهذا قصر نحته على الرخام (68)، وكانت كل صوره ومبانيه وثيقة الارتباط بالنحت حتى قبة كنيسة القديس بطرس نفسها، وقد أخفق في أن يكون مهندس عمارة (إذا استثنينا من قولنا هذا تلك القبة الفخمة)، لأنه كان يصعب عليه أن يتصور بناء إذا لم يكن في صورة الجسم الآدمي ونسبه، ولم يكن يطيق أن يراه إلا من حيث هو مستودع للتماثيل؛ وكان يريد أن يغطي بتماثيله السطوح كلها بدل أن يجعل السطوح عنصراً من عناصر الشكل. وكان النحت أشبه بحمى تنتابه ولا تفارقه، وكان الرخام في ظنه يخفي في طياته سراً يصر على كتمانه، ويعتزم هو أن ينتزعه منه، غير أن هذا السر كامن في نفسه هو، وهو أدق من أن يكشف عنه جملة وتفصيلا. وقد ساعده دوناتلو بعض المساعدة على إعطاء الرؤى الباطنية صورة ظاهرة، وقدم له دلا كورشيا معونة أكثر من دوناتلو في هذه الناحية، أما اليونان فكانت معونتهم له أقل من الاثنين. وقد حذا حذو اليونان في تكريس معظم فنه للجسم الآدمي، وترك تماثيله أكثر تعميماً تكاد تتبع كلها نمطاً خاصاً، كما تبين لنا ذلك في تماثيل النساء القائمة على قبور آل ميديتشي، ولكنه لم يستطع قط تمثيل الطمأنينة المجردة من الانفعال التي نراها بادية على وجوه التماثيل اليونانية قبل العصر الهلنستي، لأن مزاجه لم يكن يجيز له أن يعنى بتمثيلها، ولأنه لم يكن يجد فائدة في تصوير شكل لا يعبر عن شعور ما، وكانت تعوزه القدرة