الدنيا تضيف بهرجها ورشاقتها إلى الأبهاء والشوارع، كما كان الرهبان على اختلاف طوائفهم، النكدون منهم والمرحون، يجوبون البلاد طلباً للصدقات أو المغامرات. وكان الأعيان من الملاك ورجال المال يعيشون أكثر ما يعيشون داخل أسوار المدن، ويسكنون أحياناً في قصور ريفية. وكان يتزعم هذه الطائفة من الأعيان صاحب مصرف، أو مغامر حربي مستأجر، أو مركيز، أو دوق، أو دوج، أو ملك هو وزوجته أو عشيقته مثقل بأسباب الترف ومزدان بثمار الفن، يرأس داراً للقضاء. أما في الريف فكان الفلاح يحرث فدادينه القليلة أو بعض أملاك سيد المقاطعة، ويعيش عيشه الفرقة التي ألفها منذ أجيال حتى لم تعد تخطر له على بال.
وكان الرق قائماً في نطاق ضيق، وكان أكثر ما يقوم به الأرقاء هو خدمة الأغنياء، كما كانوا في بعض الأحيان يكملون بعملهم ما يقوم به العمال الأحرار في الضياع الكبيرة أو يصلحون ما فسد من هذه الأعمال، وكانوا أكثر ما يوجدون في صقلية، ولكنهم كانوا يوجدون كذلك في أماكن متفرقة من شبه الجزيرة حتى في جزئها الشمالي (2). وأخذت تجارة الرقيق تزداد منذ القرن الرابع عشر إلى ما بعده، فكان تجار البندقية وجنوى يستوردونهم من بلاد البلقان، وجنوبي الروسيا، وبلاد الإسلام، وكان العبيد والإماء المغاربة يعدون زينة لبلاط الملوك والأمراء في إيطاليا (3)، وقد تلقى البابا إنوسنت الثامن في عام 1488 مائة رقيق مغربي هدية من فرديناند الكاثوليكي، وزعهم هدايا من غير ثمن على كرادلته وغيرهم من أصدقائه (4)، وبيعت كثير من نساء كابوا جواري في روما بعد الاستيلاء على تلك المدينة في عام 1501 (5)، غير أن هذه الحقائق المتفرقة لا توضح اقتصاديات النهضة بقدر ما توضح أخلاق بنيها، ذلك أن الرق لم يكن له إلا شأن ضئيل في إنتاج السلع أو نقلها.
أما هذا النقل فكانت أهم وسائله ظهور البغال أو العربات، أو الأنهار،