ثقافتها ومدارسها منع اللغة أن تتغير بنفس اليسر والتحرر اللذين تغيرت بهما في بلاد ذات تقاليد منقطعة غير متصلة.
ولقد كان القديس أنطونيوس أحد رجال الدين في بدوا في ذلك العام المتأخر عام 1230 يخطب العامة باللغة اللاتينية؛ بيد أن عظمة لاتينية ألقاها في بدوا نفسها عام 1189 أسقف لاتيني زائر كان لابد أن يترجمها إلى اللغة الدارجة أسقف من أساقفة تلك المدينة (2). ولم يكد يكون للغة الإيطالية وجود في بداية القرن الثالث عشر؛ وكل ما كان في إيطاليا في ذلك الوقت نحو أربع عشرة لهجة، كانت هي استمرارا وتحريفاً متنوعاً للهجات السوقة لا تكاد إحداها يفهمها الباقون الذين لا ينطقون بها، وتعتز كل منها بما بينها وبين غيرها من فروق اعتزازاً مبعثة للعنصرية العارمة؛ وكان لكل حي من الأحياء المختلفة في المدينة الواحدة - كمدينة بولونيا - في بعض الأحيان لهجة مختلفة. لهذا كان لزاماً على أسلاف دانتي أن يخلقوا لغة، كما كان عليهم أن يخلقوا أدباً. ولقد حسب الشاعر في أحد أخيلته الظريفة أن الشعراء الغزليين التسكانيين اختاروا أن يكتبوا شعرهم باللغة الإيطالية لأنهم كانوا يكتبون في الحب، ولأن السيدات اللائى كن يخاطبونهم قد لا يفهمن اللغة اللاتينية (3). غير أنه مع هذا تردد في عام 1300 بين اللغة اللاتينية واللهجة التسكانية أيهما يختار لكتابة المسلاة الإلهية. وكان الفرق بسيط بين اللغة التي أختارها والتي لم يختارها هو الذي أنجاه من النسيان.
وبيننا كانت اللغة اللاتينية تنقسم وتتولد منها اللغات الرومنسية، كانت اللغة الألمانية القديمة تتفتت هي الأخرى إلى اللغة الألمانية الوسطى، واللغة الفريزية، والهولندية، والفلمنكية، والإنجليزية، والدنمرقية، والسويدية، والنرويجية، والأيسلندية. وليست عبارة "الألمانية القديمة" إلا تعبيراً سهلاً يشمل اللهجات الكثيرة التي كانت تفرض سيادتها القبلية أو الإقليمية في ألمانيا قبل عام 1050.