هذا المجلد -وإن يكن وحدة مستقلة بذاتها- هو القسم الثالث من كتب تاريخ الحضارة التي كان المجلد الأول فيها تراث الشرق، والمجلد الثاني حياة اليونان. وإذا سمحت لنا ظروف الحرب القائمة (?)، ووهبنا الله نعمة الصحة فسيكون المجلد الرابع وهو عصر الإيمان معدًا للنشر في عام 1950. والخطة التي نسير عليها في هذا العمل هي الخطة التاريخية التركيبية، التي تقضي بدراسة النواحي الهامة في حياة الشعب وعمله وثقافته وتفاعلها وتأثير كل منها في الأخرى.
أما الطريقة التحليلية في كتابة التاريخ- وهي كذلك طريقة لا غنى عنها من الناحية العلمية ولا تقل الحاجة إليها عن الحاجة إلى الطريقة التركيبية- فهي التي تدرس ناحية واحدة من نواحي النشاط الإنساني- كالناحية السياسية أو الاقتصادية أو الخليقة أو الدينية أو العلمية أو الفلسفية أو الأدبية أو الفنية- في حضارة بعينها أو في جميع حضارات العالم. وعيب هذه الطريقة التحليلية أنها تفصل جزءًا من كل فصلاً يشوهه. أما عيب الطريقة التركيبية فهو أنها، إذ تتطلب من عقل واحد أن تعتمد على معرفته الشخصية في حديثه عن كل ناحية من نواحي إحدى المدنيات المعقدة التي تمتد آلاف السنين، إنما تطلب المستحيل. وليس في وسع من يتصدى إلى هذا العمل أن يتجنب الأخطاء في الدقائق والتفاصيل، ولكن العقل الهائم بحب الفلسفة- وهي إدراك الأشياء عن طريق علاقاتها بعضها ببعض- هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها عقل لا يقدر بغير هذه الطريقة أن يقنع بسبر أغوار الماضي. إن في وسعنا أن نطلب