قصه الحضاره (صفحة 2850)

والشرك، والحركة النسائية والشيوعية، والبحث والتحليل الكانتي Kantian واليأس الشوبنهوري، والعودة إلى الحياة البدائية التي يقول بها روسو، ومذهب نتشه في التحليل من القيود الأخلاقية، ومذهب اسبنسر التركيبي، ومذهب فرويد في التحليل النفسي- وبالجملة كل أحلام الفلسفة وحكمتها نشهدها هنا في مهدها وبداية عهدها. ولم يكن الناس في بلاد اليونان يتحدثون عن الفلسفة فحسب، بل كانوا فوق ذلك يعيشون فيها: فقد كان الحكيم لا المحارب أو القديس، صاحب أسمى مكانة في اليونانية وكان هو مثلها الأعلى. وقد وصل إلينا هذا التراث الفلسفي المبهج من أيام طاليس خلال القرون الطوال، وكان هو الملهم للأباطرة الرومان، وآباء الكنيسة المسيحيين، وعلماء الدين المدرسيين، وملحدي عصر النهضة، وفلاسفة كمبردج الأفلاطونيين، ومتمردي عصر الاستنارة الفرنسيين، وعشاق الفلسفة في هذه الأيام. ولعله لا يوجد قطر من أقطار العالم إلا فيهِ من يقرأ فلسفة أفلاطون ويقرؤها بشغف شديد وإذا عددت هؤلاء القراء في هذه اللحظة وجدتهم ألوفاً مؤلفة.

وآخر ما نقوله في هذا المجال أن الحضارة لا تموت ولكنها تهاجر من بلد إلى بلد، فهي تغير مسكنها وملبسها، ولكنها تظل حية. وموت إحدى الحضارات كموت أحد الأفراد يفسح المكان لنشأة حضارة أخرى؛ فالحياة تخلع عنها غشاءها القديم وتفاجئ الموت بشباب غض جديد. فالحضارة اليونانية حية، وتتحرك في كل نسمة من نسمات العقل نستنشقها، وإن ما بقي منها ليبلغ من الضخامة حداً يستحيل على الفرد في حياته أن يستوعبه كله. ونحن نعرف عيوبها ونقائضها- نعرف حروبها الجنونية التي خلت من الرحمة، وما فيها من استرقاق دام إلى آخر أيام بنيها، ونعرف إخضاعها النساء وإذلالهن، وتحللها من القيود الأخلاقية، ونزعتها الفردية الفاسدة، وعجزها المحزن عن أن تجمع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015