واستمرت المأساة طوال مسيرة من بقي على قيد الحياة من الجنود الفرنسيين نحو الغرب، لقد هبطت درجة الحرارة ثانية إلى ما دون درجة التجمّد، لكن كان لهذا ميزة واحدة إذ سمح بالانتقال فوق المستنقعات المتجمدة فقصّر المسافة إلى فيلنا Vilna· ولأن الخوف من القوزاق والفلاحين المعادين قلّ، فقد تضاعف عدد الهاربين واختفى النظام·
ورأى نابليون أن من تبقى معه لم يعودوا في حاجة ماسة له، فوافق على نصيحة مورا Murat بالعودة إلى باريس مخافة أن تستسلم فرنسا لثورة أخرى، وعند توقفه في مولودشنو Molodechno وهي محطة التوقف الرئيسية التالية تلقّى مزيداً من التفاصيل عن أمور مال Malet· لقد انتهى هذا المغتصب لكن السهولة التي خدع بها المسئولين دلّت على استرخاء الحكومة التي لم تعد مؤمنة بنابليون الذي غاب غياباً طويلا وربما انتهت حياته السياسية بل وربما مات· لقد راح اليعاقبة والملكيون، فوشيه وتاليران يتآمرون لخلعه·
وكي يعيد ترسيخ نفسه ويبعث اليقين في الشعب الفرنسي من جديد أرسل من سمورجوني Smorgonie في 5 ديسمبر النشرة رقم 29 التي كانت تختلف عن سابقاتها إذ كان غالبها يحوي حقائق صادقة· تقول النشرة إن الفرنسيين قد انتصروا في كل معركة واستولوا على كل مدينة مروا بها وحكموا موسكو إلاّ أن قسوة الشتاء الروسي التي لا ترحم قد دمّرت هذا المشروع العظيم وألحقت الألم والموت بالفرنسيين المتحضرين الذين اعتادوا العيش في مناخ متحضر· وأشارت النشرة إلى خسارة في الرجال بلغت 50,000 لكنها أشارت بفخر لقصَّة تخلص ني Ney من ملاحقة كوتوزوف وقدَّمت عبور نهر بيريزينا من جانبها البطولي لا المأسوي وانتهت النشرة بعبارة ذات مغزى وكأنها تحذير لأعداء نابليون: "إن صحّة عظمته لم تكن في يوم من الأيام أفضل مما هي عليه الآن"· ومع هذا فقد كان هو منزعجاً·
لقد قال لكولينكور: "إنني استطيع أن أحكم قبضتي على أوربا من التوليري وحده" واتفق معه يوجين ومورا Murat ودافو · ونقل قيادة الجيش المتحرك إلى الملك مورا وأخبره أن يتوقع مؤناً وتعزيزات من فيلنا Vilna· وفي وقت متأخر من مساء الخامس من ديسمبر غادر (أي نابليون) سمورجوني Smorgonie قاصداً باريس·