ونجت الدنمرك واحترمتها إنجلترا كما كانت تحترمها سائر دول أوروبا، وظلت هذه المملكة الصغيرة طوال الست سنوات التالية تُناضل للحفاظ على حيادها بين بريطانيا العظمى وروسيا اللتين تسيطران على البحار المجاورة، والجيوش الفرنسية التي تَعِسّ في الأراضي المجاورة لهذه الشبه جزيرة التي يعمها الاضطراب· وكان الدنمركيون بشكل عام يميلون لنابليون لكنهم امتعضوا بسبب إلحاحه عليهم لمزيد من الانحياز له· وبعد سلام تيلسيت Tilsit أرسل نابليون رسالة إلى الحكومة الدنمركية ملحاً على ضرورة منع أي بضائع إنجليزية، ومطالباً بتعاون أسطول الدنمرك الجديد مع الفرنسيين·
والآن - كما كان الأمر في سنة 1801 - أخذت الحكومة البريطانية بزمام المبادرة وأرسلت أسطولاً كبيراً على متون سفنه 27,000 مقاتل إلى المياه الدنمركية (26 يوليو 1807) متذرعة بأن عملها هذا لا هدف له إلا تحقيق السلام، وحذَّر وزير الخارجية البريطاني جورج كاننج George Canning حكومته من أن نابليون كان يخطط لضم الأسطول الدنمركي إلى أسطول آخر في محاولة لإنزال جنود في اسكتلندا أو أيرلندا، وفي 28 يوليو أصدر كاننج تعليمات لممثلي الحكومة البريطانية في الدنمرك بإعلام ولي العهد الدنمركي أنه من الضروري لأمن بريطانيا العظمى أن تتحالف معها (أي الدنمرك) وأن تضع أسطولها تحت تصرف الحكومة الإنجليزية·
ورفض ولي العهد الدنمركي واستعد للمقاومة، فحاصرت السفن البريطانية سجالاند Sjaelland وأحكم الجند البريطانيون الحصار حول كوبنهاجن، وتعرضت المدينة لقذف بالمدفعية من البر والبحر (2 - 5 سبتمبر 1807) وكان القصف عنيفاً لدرجة أن الدنمركيين سلَّموا لإنجلترا كل أسطولهم: 18 سفينة كبيرة وعشر فرقاطات وأربع وعشرين سفينة صغيرة· ومع هذا فقد واصلت الدنمرك الحرب وظلت منحازة لفرنسا حتى سنة 1813·