وكل نظام (فلسفي)، ككل مقولة وكل جيل يطوّق النظم السابقة عليه ويضيف إليها، لذا ففهم آخر النظم الفلسفية فهما كاملا يتطلب فهمها جميعا· فكل ما يحرزه جيل من تقدم في المعرفة والإبداع يرثه الجيل الذي يليه· ويشكل هذا الميراث روحه وجوهره الروحي ولما كانت فلسفة هيجل هي الأخيرة في سلسلة الفلسفات العظيمة، فهي (أي فلسفة هيجل) تضم (من وجهة نظر هيجل) كل الأفكار والقيم الأساسية لكل ما سبقها من نظم (فلسفية) فهي (أي فلسفة هيجل) تمثل الأوج التاريخي والنظري لها جميعاً·
3/ 6 - موت وعودة
كاد عصره - لفترة - يقدّره كتقديره لنفسه· لقد زاد عدد التلاميذ في فصوله رغم طباعه الصارمة وأسلوبه المبهم· لقد أتى رجال بارزون قاطعين مسافات طويلة لرؤية هيجل وهو يوازن الكون بمقولاته· لقد أتاه كوزي Cousin وميشيل Michelet من فرنسا وهايبرج Heiberg من الدنمرك· وتم تكريمه في باريس في سنة 1827 وكرّمه جوته العجوز· وفي سنة 1830 اهتزت مسلّماته بانتشار الحركات الراديكالية والهياج الثوري، فهاجمها جميعاً وفي سنة 1831 أصدر من وراء القنال الإنجليزي دعوة لمناهضة وثيقة الإصلاح Reform رضي الله عنهill التي تعد علامة على قيام الديمقراطية في إنجلترا·
وأعاد صياغة فلسفته لتصبح أكثر فأكثر مقبولة من رجال الدين البروتستنت، ومات في برلين في 14 نوفمبر 1831 إثر إصابته بالكوليرا وكان في الواحد والستين من عمره، وكان لا يزال وافر النشاط· وتم دفنه على وفق رغبته إلى جوار قبر فيشته، وانقسم تلاميذه إلى جماعتين متناقضتين - كما لو كان هذا تأكيداً لغموضه الحذر: الهيجليين اليمينيين وعلى رأسهم جوهان إردمان صلى الله عليه وسلمrdmann وكونو فيشر Kuno Fischer وكارل روزنكرانتس Rosenkranz، والهيجليين اليساريين ومنهم لودفيج فويرباخ Feuerbach وديفيد شتراوس Strauss وبرونو باور رضي الله عنهauer وكارل ماركس· وقد برع اليمينيون (الهيجليون) في الدراسة وإن انحدروا بازدهار (موجة نقد الكتاب المقدس)، أما اليساريون (الهيجليون) فزاد هجومهم على السلفية الدينية والسياسية·