قصه الحضاره (صفحة 15918)

لقد طلب منا بعض التقييد (التكييف) في معنى الفكرة ونقيضها (تلك الفكرة المقدسة في المنطق القديم) وهو أن صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تكون إلا صلى الله عليه وسلم · حسناً جداً لكن صلى الله عليه وسلم قد لا تصبح صلى الله عليه وسلم, فالماء قد يصبح ثلجاً أو بخاراً· فكل حقيقة - كما أدركها هيجل - هي في عملية متطورة من المواءمة أو الملائمة· إنها - أي الحقيقة reality ليست في حالة وجود استاتيكي (ثابت) a static Parmenidean world of رضي الله عنهeing وإنما هي في حالة سيّالة متحوّلة· فكل شيء ينساب· ففي رأي هيجل أن كل حقيقة وكل فكر وكل شيء وكل تاريخ ودين وفلسفة هي جميعاً في حالة تطور مستمر ليس من قبيل الانتخاب الطبيعي، وإنما من خلال تطور التناقض الداخلي (الفكرة ونقيضها) وما يتمخض عنه من نتائج، ومن ثم التقدم نحو مرحلة أو حالة أكثر تعقيداً·

هذا هو الديالكتيك dialectic الهيجلي الشهير (وهو دياليكتيك فيشته سابقاً، وديالكتيك تعني حرفياً الحوار) · إنه ديالكتيك الفكرة thesis ونقيضها antithesis والترابط (الجمع بينهما - الجمعية) Synthesis ( أي ما يتمخض عن الفكرة ونقيضها من فكرة جديدة): فالفكرة أو الموقف ينطوي في باطنه على نقيضه ويطوّره ويناهضه ثم يتحد معه ليتخذ وَإيَّاه شكلاً جديداً· والمناقشة المنطقية لابد أن تأخذ شكل البناء الديالكتيكي من عرض ومعارضة وتوفيق· والتداول أو التشاور الحسّاس لابد أن يكون على هذا النحو - وزن الأفكار والرغبات بميزان التجربة· والمقاطعة أو التداخلات في أثناء المناقشة هي كما أصرّت مدام دي ستيل هي حياة الحوار، لكنها تصبح موتاً له (للحوار) إذا لم نجد للتناقض حلا توفيقيا، أو كانت الفكرة النقيضه غير وثيقة بالموضوع، فالترابط - الجمعية Synthesis ( أي الفكرة الناتجة عن الفكرة ونقيضها) يرفض الإثبات والنفي، وتتيح مكاناً لعناصر من الموقفين (الفكرتين) المثبتة والنافية·

طور بواسطة نورين ميديا © 2015