وتلقت حكومة الإدارة رسالة نابليون في الوقت الذي تلقت فيه تقارير عن نجاحاته الأخيرة في المجالين الحربي والدبلوماسي· ذلك أن الجنرال الشاب (نابليون) كان قد أعطى لنفسه الحق في عقد معاهدات السلام تماما كحقه في شن الحرب، كما أعطى لنفسه الحق في أن يقدر الثمن الذي يجب أن تدفعه كل مدينة أو دولة إيطالية لتنعم بالحماية الفرنسية بدلاً من أن يتركها نهباً لطمع عساكره، ولم يعط نابليون لنفسه هذه الحقوق إلا اعتزازا منه بما حققه من نصر ولشعوره بأن هؤلاء السياسيين القابعين بعيدا في باريس (حكومة الإدارة) ليسوا في موقف يمكنهم من التفاوض لعقد المعاهدات بما يتناسب مع موارد العدو وظروف الجيش الفرنسي·
وإنما وجد نفسه هو الأقدر بحكم قربه من الحقائق الموجودة على أرض الواقع· لكل هذا فإنه بعد دخوله ميلان Milan منتصرا (15 مايو 1796) رتب هدنة مع دوق بارما Parma ودوق مودينا Modena وملك نابلي Naples، ضمن - من ناحيته - لهم السلام مع فرنسا وحمايتهم من النمسا، وحدد لكل منهم قيمة ما يدفعه لقاء هذا التفاهم، فدفعوا مبالغ طائلة وتحملوا - عاجزين عن فعل أي شيء - سرقة الأعمال الفنية الخالدة من متاحفهم وقصورهم وميادينهم العامة·
لقد رحبت به ميلان، فطوال ما يقرب من قرن كانت تتطلع للتحرر من حكم النمسا، وكان هذا القائد الحربي الشاب - على غير العادة - كريما - إذا قيس بالفاتحين الآخرين، وكان متآلفا مع أسلوب الحياة الإيطالي ومع اللغة الإيطالية مقدرا للنساء الإيطاليات، حفيا بموسيقي الإيطاليين وفنهم· ولم يكن ذلك غريبا على الإيطاليين فلم يكن إدراكهم لشغفه بالفن الإيطالي مفاجئا· وعلى أية حال فهو لم يكن إيطاليا إلا لشهر أو نحو ذلك (المقصود أنه لم يظل ودوداً بهذا الشكل إلا لفترة شهر أو نحو ذلك) · لقد جمع حوله فناني إيطاليا وشعراءها ومؤرخيها وفلاسفتها وعلماءها وراح يتحدث معهم بألفة· لقد بدا له لفترة وكأن لودوفيكو سفورزا Lodovico Sforza وليوناردو دا فنتشي بعثا معا من جديد وصارا كيانا واحدا· أي شيء يمكن أن يكون أكثر جاذبية وتشويقا من خطابه إلى عالم الفلك بارنابا أورياني رضي الله عنهarnaba Oriani؟