قصه الحضاره (صفحة 14676)

وقد ألقى روبيسبير على مدار عامين ونصف العام في الجمعية الوطنية نحو خمسمائة خطبة عادة ما كانت الخطبة منها طويلة طولا يبعدها عن تحقيق الإقناع، وعادة ما كانت جدلية خلافية مما يجعلها غير بليغة، ومع هذا فإن جماهير باريس فهمت مغزاها وتعلمت منها وأحبته من أجلها· لقد عارض روبيسبير التفرقة القائمة على أسس عرقية أو دينية واقترح تحرير السود وظل حتى شهور حياته الأخيرة مدافعا عن الشعب· لقد قبل مبدأ الملكية الخاصة، لكنه رغب في تعميم الملكية الصغيرة لتكون هي الأساس الاقتصادي لديمقراطية قوية· وقد اعتبر التفاوت في الثروة "شراً لا بد منه" راجع إلى التفاوت الطبيعي بين قدرات البشر· وفي هذه الفترة وجدناه يؤيد الإبقاء على الملكية فقد كان يرى أن الإطاحة بلويس السادس عشر قد تؤدي إلى فوضى وسفك دماء تفضيان في النهاية إلى دكتاتورية أكثر من طغيان الملكية ·

واستمع كل عضو من أعضاء الجمعية الوطنية - تقريبا - لخطب هذا الخطيب الشاب بحياد فيما عدا ميرابو Mirabeau الذي احترم حجج روبيسبير التي أعدها إعدادا متقنا وبسط شرحها بوضوح· ومن ناحية أخرى لاحظنا ميرابو الذي نشأ في ظل والد عبقري رغم دقته الشديدة الصارمة راح يتشرب بتوق شديد كل تأثير متاح في الحياة مما تهيؤه فرص الرحلة والمغامرة والخطيئة، وراح يطالع مظاهر الضعف البشري والظلم والفقر والمعاناة في اثنتي عشرة مدينة، وسجنه الملك بناء على طلب والده وشهر بأعدائه في نشرات هجائية واتهامات غاضبة،

وأخيرا انتخبته طبقة العوام في كل من مرسيليا Marseilles وإكس- أن- بروفانس صلى الله عليه وسلمix-en- Provence لمجلس طبقات الأمة فحقق انتصارا مزدوجا فعالا، وأتى إلى باريس وقد أصبح بالفعل أحد المشاهير اللامعين الذين تحوم حولهم الشكوك في بلد كانت الأزمة تدفع بالنابغين والعباقرة إلى الصدارة في ظروف قلما شهد لها التاريخ مثيلا· لقد رحب به متعلمو باريس كلهم، وأطلت الرؤوس من النوافذ لمشاهدة عربته وهي تمر، وكانت النسوة مشتاقات لمعرفة حقيقة الإشاعات المثارة حول غرامياته كما كن مفتونات بما في وجهه من ندوب وتشوه، فتنة لا يعادلها سوى الاشمئزاز من قبح هذه الندوب وهذا التشوه·

طور بواسطة نورين ميديا © 2015