وكانت أوروبا كلها منذ منتصف القرن الخامس عشر حتى نهاية القرن السابع عشر، وربما بعد ذلك تتابع الصراع بين المسلمين والكاثوليك، في البحر المتوسط خاصة، مع اختلاف وجهات نظرهم إزاء هذا الصراع بطبيعة الحال· فبينما كان عدد من البروتستنت (بعد ظهور البروتستنتية) يرى في إسبانيا الكاثوليكية حامية للمسيحية بمذاهبها المختلفة، أو على الأقل لا يتمنى هزيمتها أمام العثمانيين، ومجاهدي البحر المتوسط· كان هناك عدد آخر من البروتستنت يرى في الصراع بين المسلمين والكاثوليك الأسبان، صراعا بين شيطانين، ويتمنى أن يذهب كلاهما - المسلمون والكاثوليك - إلى حيث لا عودة· وفي وقت من الأوقات كان البروتستنت يجدون في مناطق أوروبا الشرقية الخاضعة للعثمانيين ملجأ وملاذا لهم هروبا من الاضطهاد الديني·
فإذا ما تركنا شرق أوروبا وانتقلنا إلى غربها، وجدنا حقائق أخرى مذهلة، أثبتتها الوثائق التي كشف عنها الباحثون الغريبون، وهي أن الشعب الإسباني كان معارضا لإخراج المسلمين بعد سقوط غرناطة، وأن أصحاب الأراضي والأعمال ظلوا متمسكين بالعاملين المسلمين لديهم، حتى مطلع القرن السابع عشر، وأن طرد المسلمين كان عملا كنسيا خالصا، وأن الشعب الإسباني كان متعاطفا فقط مع إخراج اليهود لاشتغالهم بالربا وامتصاصهم دماء الشعب الإسباني· ويهمنا في هذا الصدد أن عدد كبيرا من المسلمين الأسبان قد خرجوا عبر البرانس إلى الأراضي الفرنسية ولاقوا في سفرهم هذا نصبا، وقد تمركزوا في سواحل فرنسا الجنوبية حيث رحلوا بعد ذلك إلى الشمال الإفريقي، وانضم عدد كبير منهم إلى حركة مجاهدي البحر المتوسط·