ولقد كانت الآلة البخارية ذروة الثورة الصناعية لا ثمرة لها تماماً. ولا داعي للرجوع بالذاكرة إلى هيرو الإسكندري (200 م؟)، لأن دنتن بابين وصف جميع مكونات ومبادئ آلة بخارية عملية في عام 1690. ثم صنع تومس سافري مضخة يديرها البخار في 1698. وطورها تومس نيوكومن (1708 - 12) إلى آلة يكثف فيها تيار متدفق من الماء البارد البخاري المولد من الماء المحمي، ويدفع فيها بالتناوب ضغط الهواء كباساً إلى أعلى وأسفل؛ هذه "الآلة الهوائية" ظلت الآلة القياسية حتى حولها جيمس وات إلى آلة بخارية حقيقية في 1765.
وكان وات بخلاف معظم مخترعي ذلك الجيل طالباً كما كان رجلاً عملياً. كان جده معلم رياضيات، وأبوه معمارياً وبناء سفن وقاضياً في بلدة جرينوك في جنوب غربي إسكتلندة. ولم يحظ جيمس بتعليم جامعي، ولكنه كان ذا تطلع خارق واستعداد ميكانيكي. ويعرف نصف العالم قصته مع عمته التي وبخته قائلة "لم أر قط ولداً خاملاً مثلك ... فإنك لم تنطق بكلمة واحدة طوال هذه الساعة، بل نزعت غطاء تلك الغلاية، ثم أعدته إلى مكانه، ثم أمسكت تارة قلنسوة وتارة ملعقة فضية فوق البخار ملاحظاً كيف يتصاعد من البزبوز، وممسكاً بالقطرات محصياً إياها (11) ". وفي القصة رائحة الأسطورة، ولكن مخطوطاً خلفه جيمس وات بخط يده يصف تجربة فيها "ثبت الطرف المستقيم لأنبوب على بزبوز غلاية شاي"، وجاء في مخطوطة أخرى: "أخذت أنبوبة زجاجية ملوية وأدخلتها في فم غلاية الشاي، وغمرت الطرف الآخر في ماء بارد" (12).
وحين بلغ وات العشرين (1756) حاول أن يبدأ عمله في جلاسجو صانعاً للأدوات العلمية. أبت عليه نقابات حرف المدينة الرخصة بحجة أنه لم يكمل التلمذة كلها، ولكن جامعة جلاسجو أعطته ورشة داخل أرضها. واختلف إلى محاضرات الكيمياء التي يلقيها جوزيف بلاك، وكسب صداقته ومساعدته، واهتم خاصة بنظرية بلاك في الحرارة الكامنة (13).