قصه الحضاره (صفحة 12723)

"ليس هناك ما يمكن أن يكون سيئاً حقاً، فإن الحشرة تأوي إلى ملجأ آمن في أطلال القصر الذي يسحق الناس عند سقوطه" (118) وينبغي أن نتعلم أن نعتبر الطبيعة في سموها وكوارثها محايدة بقدر سواء حياداً يتسم برباط الجأش:

"إن كل ما قيل في سياق هذا الكتاب يثبت بوضوح أم كل شيء قريب متناسب مع الطبيعة، حيث لا تعمل فيها كل الكائنات إلا أن نتبع القوانين التي فرضت عليها كل حسب درجته أو طبيعته. إن الطبيعة توزع بنفس اليد ما يسمى نظاماً وما يسمى اختلالاً، وما يسمى لذة وما يسمى ألماً، وقصارى القول أنها بمقتضى ضرورة تنشر الخير والشر .. ولذلك يجدر بالإنسان ألا ليمتدح سخاءها أو يصب عليها جام غضبه وحقده، أو يتصور أن صخبه وضجيجه أو تضرعاته وابتهالاته يمكن أن تغني عنه من شيء أو تكبح جماح قوة الطبيعة الهائلة أو سلطانها العظيم وهي تعمل دوماً وفق قوانين ثابتة ... فإذا عانى الإنسان شيئاً فلا يجوز له أن يلتمس علاجاً في الأوهام التي يصدرها له خياله المستقيم، بل يستمد من مخازن الطبيعة العلاجات التي تقدمها للشرور والمساوئ التي تبتليه بها، ويفتش بين أحضانها عن المنتجات التي أنتجتها الطبيعة نفسها (119).

ويقترب هولباخ من تقديم الإله ثانية في شكل "الطبيعة"، وبعد أن يأخذ على نفسه ألا يشخصها أو يجسدها نراه يميل إلى تأليهها، ويتحدث عن قدرتها وإرادتها وخطتها وسخائها، ويرى فيها أفضل هاد ومرشد للإنسان، ويجيز لديدرو (؟) أن يكتب لها مناجاة عزيزة وكأنها الفقرة الختامية لكتاب ضخم "أيتها الطبيعة، يا سيدة كل الكائنات!! إن بناتك الفاتنات الجديرات بالتوقير والعبادة- الفضيلة والعقل والحقيقية- يبقين إلى الأبد معبوداتنا الوحيدات. إن إليك تتجه كل تسابيح الجنس البشري وينصب عليك ثناؤه، وإليك يقدم كل ولائه وإجلاله، وهكذا. ومثل هذه التقوى الموسومة بمذهب وحدة الوجود (القائل بأن الله والطبيعة شيء واحد وأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015