هل هناك في الطبيعة إنسان بلغ من القسوة حداً يتعمد فيه تعذيب، لا أقول رفاقه من الكائنات، بل أي كائن واعٍ حساس أياً كان؟ فأقروا إذن يا رجال اللاهوت أن إلهكم طبقاً لمبادئكم، شرير أكثر بكثير من أي شرير من بني الإنسان. إن القساوسة ورجال الدين جعلوا من الإله كائناً خبيثاً ماكراً صارماً إلى حد أن فئة قليلة في هذه الدنيا هي التي لا تود أن يكون الإله موجوداً ... وأية أخلاق نتحلى بها إذ كنا نقلد هذا الإله (16).
ورأى فولتير في هذا شيئاً من التطرف، وبذل أقصى الجهد عند نشره "العهد الجديد" (الذي ألفه جان) في أن يلطف من الحاد الكاهن بالربوبية، ولكن مسلييه كان عنيداً متشدداً. وأستطرد قائلاً أن اله المسيحية هو منشئ كل الشرور، لأنه حيث أنه قادر على كل شئ يتم دون رضاه وموافقه، فإذا وهبنا الحياة فإنه كذلك كتب علينا الموت، وإذا وهبنا الصحة والثروة، فإنه يعوض منهما بالفقر والقحط والمصائب والحروب (17). إن في العالم دلائل كثيرة على تصميم بارع، ولكن هلا توجد فيه علامات كثيرة بنفس القدر على أن العناية الإلهية، إن وجدت، قادرة على إيقاع أشد أذى شيطاني؟
إن كل الكتب زاخرة بأشد المديح والثناء رياء ونفاقاً على العناية الإلهية التي أفرطوا في الثناء على رقابتها اليقظة، ومهما يكن من أمر فإننا إذا تفحصنا كل أجزاء الكرة الأرضية لوجدنا أن الإنسان المتحضر وغير المتحضر على السواء في صراع دائم مع العناية الإلهية. فهو مضطر إلى أن يصد الضربات التي تنزلها به في صورة أعاصير وعواصف وصقيع وبرد وفيضانات وجدب وغيرها من مختلف النازلات التي تجعل كد الإنسان وجده غير ذي جدوى. وفي إيجاز أرى أن البشر جميعاً مشغولون باستمرار في حماية أنفسهم من الحيل الشريرة الخبيثة التي تدبرها العناية الإلهية التي يقال إنها ساهرة على توفير السعادة لهم (18).
وفوق كل شئ هل وجد إله أغرب وأبعد عن التصديق من هذا؟ أنه لآلاف السنين ظل مختفياً عن أعين البشر، وأستمع دون استجابة واضحة بريئة