ومن سمات القرن الثامن عشر، كما أنه من سمات الحاضر، ذلك التشوف المنتشر إلى المعرفة - وهو بالضبط تلك الشهوة الفكرية التي أنكرتها العصور الوسطى باعتبارها خطيئة الغرور الأحمق. وقد استجاب الكتاب بحماسة ليجعلوا أوسع منالا وفهماً. فكثرت "الخلاصات"، وحاولت كتب مثل "الرياضة الميسرة" و"آراء بيل الأساسية" و "عقل مونتيني" و"عقل فونتيل" أن تضع العلم، والأدب، والفلسفة في متناول جميع الناس، وازداد باطراد عدد الأساتذة الذين يحاضرون باللغات الوطنية، ووصلت بذلك محاضراتهم إلى جماهير لا قبل لها بتعليم اللاتينية. وأخذت المكتبات والمتاحف تتسع وتفتح كنوزها للطلاب. ففي 1753 أوصى السير هانز سلون للأمة البريطانية بمجموعة البالغة خمسين ألف كتاب، وعدة آلاف من المخطوطات، وعدداً كبيراً من الصور، والعملات، والتحف الأثرية. وقرر البرلمان تعويض ورثته بعشرين ألف جنيه، وأصبحت المجموعة نواة للمتحف البريطاني، وأضيف إليها مجموعتا مخطوطات هارلي وكوطن، والمكتبات التي جمعها إنجلترا؛ وفي 1759 فتح المتحف العظيم للجمهور. وكان يقتني في 1928 نحو 3. 200. 000 مجلد مطبوع و 56. 000 مخطوط، تملأ أرففه البالغ طولها خمسة وخمسين ميلاً.
وأخيراً ظهرت الموسوعات لتجمع، وترتب، وتوصل للقراء ذخائر العلم الجديد لكل قادر على القراءة والتفكير. وقد عرفت العصور الوسطى موسوعات كتلك التي وضعها ايزيدور أسقف إشبيلية (حولي 600 - 626)، وفانسان البوفي (حوالي 1190 - 1264)؛ وفي القرن السابع عشر كان هناك موسوعة يوهان هنريش آلستيد (1630) و "القاموس التاريخي الكبير" لمورتيري (1674). وكان "القاموس النقدي" لبيل (1697) أقرب إلى تجميع لحقائق مقلقة، ونظريات موحية، منه إلى الموسوعة، ولكن تأثيره على فكر أوربا المثقفة فاق تأثير أي مؤلف مماثل آخر قبل ديدور. وفي لندن نشر أفرايم تشيمبرز عام 1728، في مجلدين "موسوعة أو قاموساً عاماً للآداب والعلوم". وقد أسقط منه التاريخ، والتراجم، والجغرفيا، ولكنه بفضل نظام الإحالات أو الاسنادات