في مذكراته القبض على "مستر شبنج" لما أبدى من ملاحظات مهينة على خطاب العرش (87). وكان في استطاعة أي من مجلسي البرلمان أن يستدعي المؤلفين لمحاكمتهم على تصريحاتهم المؤذية عن أعضاء البرلمان؛ وكان في استطاعة كبير الأمناء أن يرفض التصريح بالتمثيليات؛ وقد وضع ديفو في المشهرة عقاباً على نشرة حشاها تهكماً. ولكن فولتير أحس بأن حكومة إنجلترا رغم فسادها أعطت الشعب قسطاً من الحرية يحفزه حفزاً خلاقاً في كل مجالات الحياة.
فهنا على سبيل المثال كانت التجارة حرة نسبياً، لا يغل يدها ما يعرقلها في فرنسا من مكوس داخلية. وخلعت على رجال الأعمال المناصب الإدارية الرفيعة، وسيعين صديقه فوكنر بعد قليل سفيراً لإنجلترا في تركيا. وأحب فولتير، رجال الأعمال، روح الإنجليز العملية، واحترامهم للحقائق والواقع والمنفعة، وبساطة سلوكهم وعاداتهم وملبسهم حتى الأثرياء منهم. وأحب أكثر من هذا كله الطبقة الوسطى الإنجليزية. وقارن بين الإنجليز وجعتهم: رغوة على السطح، وحثالة في القاع، ولكن الوسط رائع (88). كتب في 12 أغسطس 1726 يقول: "لو خيرت لآثرت المكث هنا لغرض واحد هو أن أتعلم أن أفكر"، وفي دفقة من حماسته دعا تييريو غلى زيارة "أمه مغرمة بالحرية، مثقفة، ذكية، تحتقر الحياة والموت، أمة من الفلاسفة (89) ".
وقد كدر صفاء غرامه هذا بإنجلترا ما حام حوله حيناً من اشتباه بوب وغيره في أنه يعمل جاسوساً على أصدقائه المحافظين لوزارة وليول (90). فلما اتضح أن الشبهة ظالمة نبذت للتو، وظفر فولتير بشعبية كبيرة بين النبلاء وصفوة المثقفين اللندنيين. وحين قرر أن ينشر ملحمة الهنريادة في إنجلترا، أرسلت له كل الدوائر المثقفة تقريباً اكتتاباتها، بما فيه جورج الأول، والأميرة كارولين، والبلاطان المتنافسان؛ وطلب سويفت غلى بعض هؤلاء، أو قل أمرهم، بالاكتتاب. فلما ظهرت القصة (1728) أهديت إلى كارولين، التي كانت الملكة الآن، مشفوعة بباقة من الأزهار إلى جورج الثاني، الذي رد على التحية بنفحة قدرها أربعمائة جنيه، ودعوة إلى حفلات العشاء الملكية. ونفدت ثلاث طبعات في ثلاثة أسابيع، رغم أن النسخة بيعت بثمن باهظ قدره ثلاث جنيهات. وقد قدر فولتير دخله من هذه الطبعة