فاوستينا بوردوني، وهي مغنية نصف-سوبرانو، دانت لها قبل ذلك البندقية ونابلي وفيينا. صحيح أنها لم توهب نبرات كوتزوني الرقيقة العذبة، ولكنها وجدت لصوتها سنداً من وجهها وقوامها ورشاقتها. وفي أوبرا "اليساندرو" (5 مايو 1726) جمع هندل بين المغنيتين، وأعطاهما عدداً متساوياً من الألحان المنفردة، ووازن بينهما بعناية في لحن ثنائي، وصفق لها السامعون معاً بضع أمسيات، ثم انقسموا فريقين، فكان فريق يصوت سخرية بينهما الآخر يصفق استحساناً، وهكذا أضيف بعد جديد لحرب الأنغام. وفي 6 يونيو 1727 حين غنت المغنية الأولى في أوبرا بونونتشيني "اتسايناتي" انفجر أنصار كوتزوني محدثين جلبة شائنة من صفير الاستهجان وصيحات الاستنكار حين حاولت بوردوني الغناء. واندلع القتال في قاعة الصالة وسرى إلى خشبة المسرح، وشاركت فيه مغنيتا الأوبرا وراحت الواحدة منهما تشد شعر الأخرى، وحطم النظارة مناظر المسرح مبتهجين-وكل هذا في حضرة كارولين، أميرة ويلز، وهي شاعرة بالخزي والمهانة.
ولعل "قياس الخلف" هذا كان وحده كافياً لقتل الأوبرا الإيطالية في إنجلترا. أما الضربة القاضية فقد كالها لها واحد من أرق الناس في لندن. ففي 29 يناير 1728، قدم جون جاي "أوبرا الشحاذ" في مسرح لنكولنز أن فيلدز. وقد وصفتا أغانيها المرحة الذكية البذيئة، ولكن الذين سمعوها تغني على أنغام الموسيقى التي وضعها أو اقتبسها يوهان بيبوش-هؤلاء فقط هم الذين في وسعهم أن يفهموا لم تحول جمهور المسارح بجملته تقريباً عن هندل وبونونتشيني وأريوستي، إلى بيبوش وبوللي وجاي، وظلت "أوبرا الشحاذ" تمثل الليلة تلو الليلة طوال تسعة أسابيع، بينما راحت "سيرانات" مسرح صاحب الجلالة وخصيانه يغنون لكراسي خاوية. ثم إن جاي كان قد هجا الأوبرا الإيطالية وسخر من حبكاتها البلهاء، وهزأ بالارتعاشات و "الشخلعات" في غناء المغنين والمغنيات السوبرانو، واتخذ اللصوص والشحاذين والمومسات شخوصاً للتمثيلية بدلاً من الملوك والنبلاء والعذارى والملكات، وعرض القصائد الشعبية الإنجليزية أغاني أفضل من الألحان الإيطالية. وابتهج الجمهور بالألفاظ التي يستطيع فهمها، خصوصاً إذا كانت مكشوفة بعض الشيء. ورد هندل بمزيد من الأوبرات-سيروي، وطولوميو ملك مصر