قصه الحضاره (صفحة 1116)

رائجة في المدن فنشأت من رواجها طبقة وسطى صغيرة العدد تستمتع بنعم لا تكاد تفترق عن نعم الحياة الحديثة، وكان أفرادها ينتعلون أحذية من الجلد، ويرتدون ملابس من الحرير، أو من نسيج آخر يغزلونه بأيديهم، وينتقلون في عربات مختلفة الانواع، أو في قوارب تسير في الأنهار، ويسكنون بيوتا حسنة البناء، ويستخدمون الكراسي والنضد، ويتناولون طعامهم في صحاف وأواني من الخزف المنقوش. وأكبر الظن أن مستوى حياتهم كان أرقى من مستوى حياة معاصريهم في بلاد اليونان أيام صولون Solon أو في روما أيام نوما Numa.

وسرت في الحياة الذهنية في الصين بين ظروف التفلك ومظاهر الفوضى السائدة في البلاد حيوية تنقض ما يضعه المؤرخون من نظريات وقواعد عامة يريدون أن يأخذ بها الناس؛ فقد وضعت في هذا العهد المضطرب قواعد اللغة الصينية والأدب والفلسفة والفن. ونشأ من ائتلاف الحياة التي أصبحت آمنة بفضل التنظيم الاقتصادي والادخار مع الثقافة التي لم تكن قد وحدت بعد أو قيدت بالقيود والأحكام التي تفرضها عليها التقاليد والحكومة الإمبراطورية القوية السلطان، نشأ من ائتلافهما ذلك الاطار الاجتماعي الذي احتوى أكثر العهود إبداعا وإنشاء في تاريخ الصين الذهني. فكان في كل قصر من قصور الأباطرة والأمراء وفي آلاف من المدن والقرى شعراء ينشدون القصائد، وصناع يديرون عجلة الفخار أو يصبون الآنية الفخمة الجميلة، وكتبة ينمقون على مهل حروف الكتابة الصينية وسفسطائيون يعلمون الطلبة المجدين أساليب الجدل والمحاجة الذهنية، وفلاسفة يتحسرون ويأسون لنقائص البشر وتدهور الدول.

وسندرس في الفصول التالية حال الفن واللغة في أكمل تطوراتهما وأخص خصائصهما، ولكن الشعر والفلسفة من نتاج هذا العصر الذي نتحدث عنه بنوع خاص، وهما يجعلانه أكثر عصور الفكر الصيني ازدهارا. ولقد ضاع معظم ما كتب من الشعر قبل كنفوشيوس، وأكثر ما بقي منه هو ما اختاره هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015