المدمرة، ومذابحهم وهزائمهم المذلة. ذلك أن ما وراء هذا المظهر المظلم الذي يبدو الآن لعين الغريب عن بلادهم مدنية من أقدم المدنيات القائمة في العالم وأغناها: فمن ورائه تقاليد قديمة في الشعر، يرجع عهدها إلى عام 1700 ق. م، وسجل حافل بالفلسفة الواقعية المثالية العميقة غير المعجزة الدرك، ومن ورائه براعة في صناعة الخزف والنقش لا مثيل لها من نوعها، واتقان مع يسر لجميع الفنون الصغرى لا يضارعهم فيه الا اليابانيون، وأخلاق قويمة قوية لم نر لها نظيراً عند شعوب العالم في أي وقت من الأوقات، ونظام اجتماعي ضم عدداً من الخلائق أكثر مما ضمه أي نظام آخر عرف في التارخ كله ودام أحقابا لم يدمها غيره من النظم، ظل قائما حتى قضت عليه الثورة ويكاد ان يكون هو المثل الاعلى للنظم الحكومية التي يدعو اليها الفلاسفة؛ ومجتمع كان راقيا متمدنا حين كانت بلاد اليونان مسكن البرابرة؛ شهد قيام بابل وآشور؛ وبلاد الفرس واليهود، وأثينة ورومة والبندقية وأسبانيا، ثم شهد سقوطها كلها، وقد يبقى بعد أن تعود بلاد البلقان التي نسميها أوربا إلى ما كانت عليه من جهالة وهمجية. ترى أي سر عجيب أبقى هذا النظام الحكومي تلك القرون الطوال، وحرك هذه اليد الفنية الصناع، وأوحى إلى نفوس اولئك القوم ذينك العمق والاتزان؟
وصف البلاد الجغرافي - الجنس الصيني - ما قبل التاريخ
إذا عددنا الروسيا بلادا أسيوية- وقد كانت كذلك إلى أيام بطرس الأكبر وقد تعود أسيوية مرة أخرى- لم تكن أوربا الا أنفا مسننا في جسم آسية، وامتدادا يشتغل بالصناعة من خلفه قارة زراعية كبيرة، ومخالب أو نتوءات ممتدة من قارة جبارة مهولة. وتشرف الصين على تلك القارة المترامية الأطراف، وهي لا تقل عن أوربا في اتساع رقعتها وتعداد عامرها.