قصه الحضاره (صفحة 10110)

ولكن- كاثوليكيتهم- كانت من النوع العطوف الموسوم بالروح الإنسانية الذي نادى به أرزم قبل ذلك بنصف قرن من الزمان، والذي كانت تدين به روما في عصر النهضة بصفة عامة، وليست من ذلك النوع الكئيب المتشدد من الكاثوليكية الذي ساد في أسبانيا لعدة قرون كانت تحارب فيها المسلمين "الكفار". وبعد 1520 تسربت اللوثرية ومذهب القائلين بتجديد عماد البالغين ورفض عماد الأطفال من ألمانيا، تسربت بعد ذلك بشكل أكبر الكلفنية من ألمانيا وسويسرا وفرنسا. وحاول شارل الخامس أن يقضي على غارات هذه المذاهب الغربية التي أقحمت عليه كاثوليكيته، بإدخال محاكم التفتيش البابوية أو الأسقفية، وبنشر إعلانات تتوعد بأشد العقوبة أي انحراف خطير عن الكاثوليكية الصحيحة. ولكن قلَّ أن نُفِذت هذه العقوبات بعد أن أضعف صلح باسو 1552 من قوته. وفي روتردام 1558 تمكن حشد من الأهالي من إنقاذ عدد من أنصار تجديد العماد من الإعدام حرقاً. فجزع فيليب لتفاقم الهرطقة وجدد نشر الإعلان عن العقوبات .. وساد الخوف من أنه يعتز إدخال محاكم التفتيش الأسبانية بكل ما فيها من قسوة ونكال.

كان مذهب كلفن يلتئم كل الالتئام مع عنصر الروح التجارية "المركنتلية" في النظام الاقتصادي وكان ثغرا أنتورب وأمستردام هما المركز الرئيسي لتجارة شمال أوربا، وكانا ينبضان بالحياة بفضل التصدير والاستيراد والمضاربة وسائر ألوان المعاملات المالية، حتى أن التأمين وجده عاد بأوفر الثراء على 600 من وكلائه (2). وجرت في انهار الراين وماسي وأيسل- وشلدت ووال وليس إلى جانب مئات من القنوات- جرت في هذه كلها مجموعة متنوعة كبيرة من سفن النقل، وأذكت التجارة روح البراعة من المهن والصناعات في بروكسل وغنت واييرس وتورني وفالنسين ونامور ومكلين وليدن وأوترخت وهارلم. ونظر رجال الأعمال الذين تحكموا في هذه المدن بعين الإجلال والإكبار إلى الكاثوليكية على أنها ركيزة دعمتها التقاليد للاستقرار السياسي والاجتماعي والروحي، ولكنهم لم يسيغوا سلطانها الكهنوتي بأبهته وفخامته. كما أحبوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015