قصه الحضاره (صفحة 10103)

بالصور الجصية المتخلفة في العصور القديمة بقدر جنونه بروما نفسها - بآفاقها، وحقولها، واشجارها، وتلالها، وتربها ذاتها. ولا بد له أن تساءل كما تساءل بعض المتحمسن لها ممن أتوا بعده. لا لم يكتب الله له أن يولد في إيطاليا؟

وامتحنه الكردينال باربريني بتكليفه رسم لوحة «موت جرمانيكوس»، فسرته النتيجة، وسرعان ما اشتد الطلب على فن بوسان حتى جاهد لكي يلبيه. كان رعاته - سواء العلمانيون أو الكنسيون - يتوقون للصور العارية، فاسترضاهم فترة بعروض لجسم امرأة كتلك التي نجدها في «انتصار ربة الزهر (?)» التي رسمها للكردينال أوموديو، وفي «منظر باخوسي» لريشيلو. واتخذ مقامه في روما، وتزوج فتاة في السابعة عشرة وهو يناهز السادسة والثلاثين، وأنفق عشر سنوات سعيدة معها ومع ألوانه. ثم دعاه ريشيلو ولويس الثالث عشر إلى باريس (1640). فقال بوسان «سأذهب كإنسان حكم عليه بنشر جسده نصفين (143)» ولقى هناك التكريم العظيم وتلقى معاشاً من ألف كراون، ولكنه لم يرتح لمنافسة الفنانين الباريسيين المفعمة بالحقد، فأسرع بالعودة إلى إيطاليا (1643) مضحياً بمستقبل عريض. واشترى بيتاً على التل البنسي بجوار بيت كلود لوران، وهناك عاش حتى مات، هادئاً، مهتماً بأسرته، مستغرقاً في فنه، قانعاً بحظه.

كانت حياته كصورة مزيجاً كلاسيكياً، نموذجاً للنظام، والاعتدال، وضبط النفس. ولم يكن له من أمارات الفنان غير القليل. اللهم إلا أدواته. فلا هو بالعاشق النهم كرفائيل، ولا برجل الدنيا كتيشان، ولا بالعبقري الشيطاني كميكل أنجيلو (برغم رأي ماريني فيه)، إنما هو رجل بورجوازي يعني بأسرته ويدفع ديونه. وحين رأى الكردينال ماسيمو بيته المتواضع قال له: «كم أرثي لك لأنه ليس لديك خادم!» فأجاب بوسان «وكم أرثي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015