ذلك الانجاز الخاص الذي حققه التصوير الفرنسي في هذا العصر - وهو تطوير المنظر الطبيعي بوصفه عنصراً كبيراً في فن التصوير.
أما نيكولا بوسان فكان أبوه جندياً في جيش هنري الرابع. وبعد أن أسكن منزل نيكولا دليزمان عقب معركة إفرى، تزوج ابنة نيكولا - وهي فلاحة لاتعرف كيف تكتب اسمها - وفلح مزرعة بقرب ليزاندليس في نورمانديا. وتعلم ابنهما حب الحقول والغابات، واقتناص لحظات يسجلها فيها بالقلم الرصاص أو الحبر. ثم وفد كنتا فاران على ليزاندليس ليزين كنيسة بها، وراقبه الفني نيكولا في شغف وانتزع منه بالملاطفة دروساً في الرسم والتصوير. فلما رحل فاران، هرب نيكولا إلى باريس ليدرس الفن (1612) وكان يومها في الثامنة عشرة. وهناك توجت الشهور التي كاد يتضور فيها جوعاً بعثوره على محفورات ريموندي لأعمال رفائيل. هنا تكشف لنيكولا أمران أولهما أن الخط لا اللون أداة للفن، وثانيهما أن روما عاصمة الفن. وظل ثمانية أعوام يكافح للوصول إلى تلك القلعة. ومرة وصل في رحلته حتى فلورنسة، ولكن الفقر واليأس والعلة ردته إلى باريس. ثم حاول ثانية، ولكن دائناً عطله في ليون، فزحف راجعاً ليدفع ديونه ويكسب قوته بأشغال تصوير صغيرة في قصر اللكسمبورج. وفي عام 1622 استخدمه الشاعر الإيطالي جوفاني باتيتستا مارينين الذي وفد وقتها على باريس، ليرسم له رسوماً لقصيدته «ادوني»، وظفرت رسوم بوسان باستحسان ماريني وببعض التكليفات. ورسم نيكولا صوراً للأشخاص على مضض واقتصد فرنكاته في حرص، وأخيراً اكتحلت عيناه برؤية روما في عام 1624.
وأوصى به ماريني الكردينال فرانشسكو باربريني: «ستجد هنا شاباً فيه عنف شيطاني» - شاب «مجنون بالتصوير» (خلافاً لتحليل ايروشيج لنفسه). ولكن مجنوناً إيطالياً أيضاً، غير أنه لم يجن بصور أئمة فناني النهضة بقدر جنونه بكمال القطع المتخلفة في الساحة الرومانية (الفورم)، ولا جنّ