كانت ليلة ميتة لا يتردد في صدرها نفَس من نسيم، ولا تبدو فيها حركة حياة، عمياء لا تبصر فيها عين من نجم يسطع في السماء أو مصباح يزهر على الأرض، وقد أوى كل حي في سمرقند إلى مضجعه، ونامت المدينة تحت أثقال من الصمت والظلام، ولم يبقَ متيقظاً فيها إلا هذا الرجل الذي خرج من داره، يخوض لجة الليل ماراً إلى غايته، ولا يقف ولا يتلفّت، حتى بلغ قصر الإمارة فألقى عليه نظرة، لو كانت نظرة تحرق لأحرقه الشرر المتطاير منها. ثم أوسع الخطو وأسرع كأنه يريد أن يجنب نفسه مرأى هذا القصر، وأن يسابق الزمن إلى هدفه الذي يرمي إليه.
وفارق المدينة واحتواه الغاب، وطنّت في أذنيه أصوات هوامه وحشراته. وكان الغاب موحشاً غارقاً في ظلمتين: ظلمته وظلمة الليل، ولكن الرجل لم ينتبه إلى وحشته وظلامه، وقد