إلى ميدان المعركة ليألم في سبيل المجد، وليحمل جرحه الدامي ليأسو جرح بلده، ليضحِّ بالحب في سبيل الواجب (أو ما كان يراه بجاهليته وشركه واجباً).
وتهيأ للوداع.
وعادا يزوران مرابع الهوى ومجالس الحب فيُودعها ذكرياته وقلبه؛ لم يدع بقعة بين صخور «الشفا» المطلة على تهامة ومن وراء تهامة البحر، ومشارف «الهدا» التي تشرف على سفوح غزوان ومن ورائها وادي الأراك وعرفات ومكة إلا زارها، فقعد على صخرة «الهدا» وأخذ فتاته بين ذراعيه، يضمها ويخفي وجهه خلال ثيابها، ويشم عبقها كأنما يريد أن يتزود منها لأيام الفراق. وأُخذت هي بنشوة الحب فجعلت تشد بيدها عليه وتعبث بشعره، وتريح رأسها على رأسه، وتتمنى لو أن هذا الحب يصنع المعجزة التي ينتظرها المحبون أبداً ... أن يمحو هذه «الأنا» و «الأنت» ويجعل العاشقين شخصاً واحداً كما جعلهما روحاً واحدة. فلما أبطأت المعجزة وأيست منها جعلت ترى - وهي بين ذراعيه - كأن بينهما بعد المشرقين.
وكان عند أقدامهما بستان جميل، قد خالطت خضرته حمرة الشقائق الفاتنة، فرأته يحدّق فيه وفي عينيه دمعة، فراعها ما ترى ...
وانطلقت تسائله، فقال لها: اسمعي يا فتاتي.
قالت: أنا سامعة.
قال: أريد أن تغفري لي.