وذهب الأثاث، وبيعت الجواري، ولم يبق في يده شيء يباع. فأقبل ينقض الدار ويبيع أنقاضها، ولم يأسَ على ذاهب ولم يحس بفقد مفقود، فقد كان يلقى الحبيبة ويجد في حبها غذاءه إذا جاع، وريّه إذا عطش، ودفئه إذا برد، وفي وجنتيها ما يغنيه عن الأوراد، وفي ثناياها بديلاً من اللآلئ، وفي ريقها عسله المصفى وخمره المعتق، ومن ريحها عطره الفواح، وفي صدرها دنياه. ويرى الدار الخالية معها قصراً عامراً، والصحراء روضة مزهرة، والليل المظلم معها نهاراً مضيئاً ...

وأثمر الحب وجاء الحصاد، ولكنه قد خالف موعده، فلم يجئ في الربيع الطلق ولا في الصحو الجميل، بل قدم في الشتاء الكالح والأيام القاتمة الدكناء، أيام الفقر والعوز. وأخذها المخاض فجعلت تتلوى من الألم على أرض الحجرة، وما تحتها إلا حصير تقطعت منه الخيوط، وفراش بلي وجهه وتناثر قطنه حتى اختلط بالتراب. وطال عليها الوجع وهو واقف أمامها يحس أن ألمها في ضلوعه، وأن كل صرخة منها سكين (?) محمّى يحزّ في قلبه، ولكنه لا يملك لها شيئاً. وقالت له بعد أن عجزت عن الاحتمال: إني أموت ... فاذهب فاحتَلْ بشيء تشتري به عسلاً ودقيقاً وشيرجاً (?). اذهب وعجل؛ فإنك إذا أبطأت لم تجدني.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015