قصص من التاريخ (صفحة 319)

وسكت الشيخ لحظة ثم قال بجرأة عجب لها الناس ولبثوا شاخصين، ينظرون إلى الشيخ يخافون أن تتخطفه جلاوزة السلطان ... قال الشيخ: ذاك إمام المسلمين وخيرهم وفاضلهم.

* * *

ثم إن الرجل ذهب يستهدي الناس إلى دار أبي عبد الله، فمنهم من يُعرض عنه خشية أن يكون عيناً للسلطان ومنهم من يجرؤ فيمشي معه خطوات. حتى انتهى إلى الدار.

فنال الإعجاب من نفس الفندقي كل منال، وسأله: أتقول إنه زاره في منزله أيام محنته؟

قال محمد بن سعيد: نعم؛ قرع عليه الباب، فلما فُتح له قال: إني رجل غريب أتيتك من مكان سحيق. قال أبو عبد الله: مرحباً بك، أين بلدك؟ قال: الأندلس. قال: إفريقية؟ قال: لا؛ أبعد من ذاك، أركب البحر من إفريقية إلى بلدي. قال: لا جرم أنه بعيد، فما حاجتك؟ قال: أسمع منك وأروي عنك. قال: ولكني كما رأيت وعلمت، لا ألقى أحداً ولا يدَعون أحداً يلقاني، ولست آمن عليك الأذى إذا أنت أتيتني. قال: ما كنت لأبالي في سبيل الأخذ عنك أذى ولا عذاباً. قال: فإن هم منعوك؟ قال: أحتال بحيلة. آتيك بزي السؤال فأصيح: الأجرَ يرحمك الله ... فتفتح لي وتحدثني. قال: على ألاّ تظهر في الحِلَق فيعرفوك. قال: على ألاّ أظهر.

فكان يفعل ذلك. وكنتَ تظنه يخرج فيسأل الناس.

فعاد الفندقي يسأله متثبتاً وقد كبر الرجل في عينيه حتى كأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015