فقالت المرأة: يا أبا غياث، هذا ثالث يوم لم نذق فيه طعاماً، وهذا يوم صيام وحر. فإذا صبرتَ وصبرتُ أنا فإن البنات والعجوز لا يقدرن على الصبر، وقد هدّهن الجوع، فاستعن الله واخرج فالتمس لنا شيئاً، فلعل الله يفتح عليك بدوانق أو كسيرات ندخرها لفطورنا.
قال: أفعلُ إن شاء الله.
* * *
وانتظر حتى علت الشمس وكان الضحى، فخرج يجول في أزقة مكة وطرقها. وكان الناس قد انصرفوا إلى دورهم ليَقيلوا، فلم يلقَ في تطوافه أحداً. واشتد الحرّ وتخاذلت ساقاه وزاغ بصره، وأحسّ بجوفه يلتهب التهاباً من العطش. وكان قد صار في أسفل مكة فألقى بنفسه في ظل جدار، وكان من أكبر أمانيه أن يدركه الأجل فيموت مؤمناً، فيتخلص من هذا الشقاء وينال سعادة الأبد. وجعل ينكت التراب بيده وهو سادرٌ في أمانيّه، فلمس يدَه شيءٌ مستطيل لين، فسحبه ونظر، فإذا هو بذَنَب حية مختبئة خلال التراب، فتعوذ بالله. ثم عاودته رغبته في الموت وتمنى لو تلدغه فتريحه، ثم ذكر أنه لا ينبغي للمؤمن أن يطلب الموت وإنما ينبغي له أن يقول: "اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وأمتني إن كان الموت خيراً لي". فقالها واستغفر الله.
وعاد يرقب الحية فإذا هي ساكنة، فعجب منها، ولمسها برجله فلم تتحرك، فبحث عنها وحفر، فإذا الذي رآه حِزام وليس