قصص من التاريخ (صفحة 270)

قال رجل من طرف الحلقة: فإن قتله الملك يا سيدي الشيخ أو أماته المرض؟

فقال الشيخ: سبحان الله! وهل يهاب المسلم القتل أو يبغض الموت؟ إن الموت شديدٌ لأنه انقطاع اللذات وخسران الدنيا، ولكنه لا يكون بهذا المعنى إلا عند الكافر الذي يعيش في الدنيا ويستمتع بملاذّها، أما من كان يتهيأ فيها للعيشة الخالدة، ويقيم فيها كالمستعد للسفر، ويرقب ساعته كما يرقب المسافر ساعة القطار، ويراه حين يمضي ليلقى ربه كالآيب إلى وطنه حين يذهب ليلقى أهله وصحبه ... من كان هذا شأنه لا يرى في الموت موتاً، وإنما يرى فيه ولادة جديدة وابتداء حياة. وقد حفظنا من مشايخنا أن أفضل الشهداء رجل يقول كلمة حق عند إمام جائر فيقتله بها.

وكان الباشا قد وقف على الحلقة منتفخاً مصعراً خده شامخاً بأنفه، فنظر إليه الشيخ - رحمه الله - فلم يتغير، ولم يَبدُ عليه أنه رأى فيه أكثر من رجل، وأشار إليه (أن اجلس) كما كان يفعل بغيره، فلم يتمالك الباشا أن جلس. ونظر في الحاضرين يقلب فيهم بصره يفتش عن شيء أضاعه فيهم، عن الخضوع والإكبار اللذين تعود أن يراهما حوله دائماً، ينتظر أن يقوموا له وأن يقفوا بين يديه صفاً، ولم يدرِ أن القوم كانوا في غير هذا؛ لم يدرِ أن الشيخ قد علا بهم حتى جعلهم يُطلّون على الدنيا من شرفة طيارة أو من قطع السحاب، فيرون الأرض كلها كمَفْحَص قَطاة (?)، ولا يرون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015