والناس قد ملؤوا العُبرين واعتبروا ... من لؤلؤ طافيات فوق أزبادِ
وكانوا ساكتين قد عقدت الذهلة ألسنتهم، وأمسكت الأحزان وسيوف المرابطين أفواههم، حتى الأطفال لم يكن فيهم من يبكي أو يصرخ، حتى إذا قُدمت بنات الملك الأسير يجرهن جند من البرابرة جرّ الشياه إلى المسلخ وقد:
حُط القناع فلم تُستَر مخدرة ... ومُزِّقت أوجهٌ تمزيقَ أبرادِ
أوجه تزري بالأقمار، وأجسام ألطف من الياسمين الغض وأرق من شعاع البدر على البحيرة الصافية في ليلة غرام! ثم طلع الملك، لا تاج على رأسه ولا سيف في يده ولا لواء يخفق على هامته، ولا جند من حوله يفدونه بالأرواح ويبذلون دونه حر الدماء، بل حوله جند من البربر، وفي يديه قيود ثقال، وما عليه إلا أطمار ... تفجرت الأحزان مدامع، وانشقت القلوب صرخات، وتحركوا لنصرة الملك، ولكن البربر كانوا خلالهم ومن فوقهم ومن تحتهم.
حان الوداعُ فضجّتْ كلُّ صارخةٍ ... وصارخٍ من مُفدّاةٍ ومن فادي
ووضعوا الملك في السفينة، ومن حوله نساؤه وبناته مقرونات بالحبال، مطرقات كاسرات الطرف تلوح قطرات دموعهن في ضياء الشمس كالآلي:
حموا حريمَهمُ حتى إذا غُلبوا ... سيقوا على نَسَقٍ في حبلِ مُقتادِ
ورفع الملك رأسه ونظر إلى جنده، وانتزع من آلامه ابتسامة لاحت على شفتيه كما تلوح خيوط الشمس لحظة خلال السحاب