عبد الله: يا للغباوة! ولكني لم أمت، بل أنا لم أعرف الحياة إلا اليوم.
زيد: ذلك لأنك مت!
عبد الله: أليس في الموت قيد؟
زيد: بلى، ولكنا مطلَقون: {ولا تَحْسَبَنّ الذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أمْوَاتاً بَلْ أحياءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقون}. والآن ... هلمّ بنا!
عبد الله: دعني أرى أمي وأحملها.
زيد: لا؛ إنه لم يجئ أجلها فهلم بنا.
فينطلق الثلاثة إلى النعيم المقيم في السماء، كما تنطلق العجوز إلى العذاب الأليم في الأرض.
* * *
حل السلام في هذه البقعة التي خلقها الله للسلام الدائم، ونزل الحجاج يُزيل الأوضار عن الحرم ويرفع القواعد من البيت. ومرت الأيام سراعاً فووري ابن الزبير في لحده، واستغفر الحجاج من جريمة صلبه كما يُصلب المجرمون والمفسدون، وكادت الجروح تندمل، وأوشك الناس أن يستعيدوا هناءتهم وسعادتهم بعد هذه الحرب الطاحنة الضروس، ولكن أسماء لم تسترح ولم تهنأ، ولم يبق لها من الدنيا إلا قبر عبد الله تلبث الليالي والنهارات عاكفة عليه، تبكي وتدعو وتنادي عبد الله.