وأغار على القوم، فلم يرُعْهُ إلا أنه يخترق الجموع لا يمنعه أحد، حتى جاز الجيش كله وصار إلى الفضاء والحرية فوقف يفكر ويذكر أمره ... فلم يعرف منه شيئاً، ولم يجد في أعماق نفسه إلا لذة لا توصف وطرباً لا يُحَد ولا يُعرَف. فرجع يوغل في هذا الجيش، فإذا هو يخترقه كرة أخرى ويتغلغل بين كتائبه وفرسانه، ثم ينتهي إلى الفضاء ... فينظر حوله ويتمنى أن يعلو هذه الجبال الشامخة، ثم يجلس على قُنّة من قُننها البوازخ يفكر في أمره، فلا يكاد ينتهي من أمنيته حتى يصير في أعلى الجبل، من غير أن يتجشم عناء أو يقاسي تعباً. فيزداد حيرة وعجباً وينظر حواليّه، فيَحسُر له البصر عن عوالم عجيبة تموج بالنور وتمور بالمشاهد البارعة التي لم ترها عين البشر، فيأنس بها، ثم تغلب عليه حيرته المحبوبة اللذيذة، فيحجب عينيه بكفيه وينطلق يفكر، فإذا كفه تشفُّ عما وراءها، كأنما ينظر من خلال زجاج صاف شفاف! فيجفو مكانه ويمر هائماً على وجهه، فإذا هو يمضي بسرعة البرق، يخترق الصخر وينفذ من الجبال، فيزداد دهشة ويبالغ في مروره. ثم يسمع من يدعوه باسمه، فيقف ويلتفت، فإذا هو بابن صفوان. فيقبل عليه فرحاً بلقائه، ولكنه يرتد فجأة: أنت ابن صفوان؟
- نعم يا سيدي.
- ولكن ...
- ماذا؟
- إن بصري ينفذ من خلال جسمك!