قصص من التاريخ (صفحة 200)

رأسها أطفأت جذوة أحلامها وردتها إلى حاضرها، فإذا هو ينشر أكفان الموت على مسراتها ومباهج حياتها الماضية، فتنسى كيف استقادت إليها السعادة كاملة على يد هذا الزوج الذي تبعته الدنيا حين تبع دين محمد صلى الله عليه وسلم، فغدا يحمل على ألف فرس (?) في سبيل الله بعد أن كان ماله كله فرساً تعلفها زوجه النوى.

وتغيب صور هذا الماضي في الليل السرمدي الذي غمر حياتها وأترعها بالآلام والأوجاع، فتمنت لو أنها ماتت وهي بنت الخليفة العبقري، الذي صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفه في أمته ووقف وحده حين كانت الردة في وجه الناس كلهم، ثم ظفر بهم وساق المرتدين عن دين محمد ليقاتلوا في الشام والعراق تحت راية محمد ... أو لو ماتت وهي زوج البطل الذي ملأ حياته بطولة وشرفاً ومجداً ثم ذهب فمات في ساحة الشرف والبطولة والمجد، أو لو ماتت وهي أم الخليفة الذي عنت له الحجاز والجزيرة والعراق وخراسان وكاد يدخل دمشق مظفراً منصوراً، ثم ضاع منه كل شيء حتى كادت أمية تدخل عليه مكة مظفرة منصورة.

واستيأست من طلوع الفجر الذي يزيح ظلمة هذا الليل، فانطلقت تناجي الموت وتدعوه بأحب الأسماء وأجملها، وأذكَرَها الموت أحبتَها الذين طواهم في أحشائه، فاشتهت قرب الأحبة. وكان من أقوى رغباتها في هذه الليلة أن تقف على قبر أبيها الذي يجاور أشرف بقعة في ملكوت الله الواسع، في الغرفة الصغيرة التي بنيت من الحجر والطين وسعف النخل في العشايا الأولى لاستقرار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015