استأثر الله بابنه إبراهيم فكسفت الشمس، فظنوا أنها كُسفت لموته، فنبأهم أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تكسفان لموت أحد ولا لحياته. فاطمأن الجند، وعادوا إلى تسديد الرماية وضرب الكعبة، فعادت السماء إلى زمجرتها وزئيرها، وانقضّت صواعقها، ولكنها أصابت من جند ابن الزبير مثل الذي أصابت من عسكر الشام، فأمن الجند وأقبلوا يوالون قذف الحجارة.
إنه لم يضرب الكعبة على أنها بيت الله، ولكن ضربها على أنها قلعة من قلاع ابن الزبير، ولم يقدم مكة فاتحاً، ولكن قدمها حاجاً مُحرماً، وحج بالناس ولكنه لم يطف. ولم يكن له إلا الوحدة الإسلامية غاية، فهو يعلم أن المسلمين كرجل واحد، فأي رجل هذا الذي له رأسان؟ ولقد نهاه فقيه العصر وإمامه، عبد الله بن عمر، أن يضرب الكعبة فيؤذي الطائفين بها ويعطل مناسك الحج، وشدد عليه في النهي، فأطاع وامتنع وترك الناس وحجهم، حتى إذا استكملوا مناسكهم وفرغوا من عبادتهم نادى فيهم بالرحيل إلى بلدانهم وعاد يحارب ابن الزبير.
وسكن الحجاج إلى هذه النتيجة التي انتهى إليها واقتنع بأنه لم يأتِ منكراً (?)، فعاد يتأمل هذه النجوم الصافية وهو عازم على بناء الكعبة وسد هذا الخرق الذي خرقه وإصلاح ما أفسدته الحرب. وراح يحدق في القمم الشاهقة التي تلوح له عن بعد ذائبة أعاليها في الشعاع الفاتن الذي يسيل من صفحة القمر، فذكّرته