كان محط الجمال والجلال، ولكن كليباً (المعلم البطل) لم يحفل شيئاً من هذا ولم ينظر إليه، لأن من عادته ألا ينظر إلا أمامه، لا يلتفت يَمنة ولا يَسرة لئلا يشغله عن غايته شاغل أو يعوقه معوق. وكانت آماله هي غايته، فمضى إليها قدماً لا يبصر إلا ظهر الجندي الذي سبقه ليدله على الطريق في هذا العالم الصغير، حتى دخل على المستشار.
* * *
ندع كليباً في حضرة رَوح بن زنباع مستشار الدولة، ونقفز قفزة واحدة إلى واسط مدينة الحجاج؛ نقطع في هذه القفزة سنوات طوالاً مليئة بالأحداث الجسام، من قتل مصعب وعبد الله ابنَي الزبير، إلى عودة الوحدة الإسلامية على يد عبد الملك والحجاج ... فنرى في شوارع واسط الفسيحة شيخاً أعرابياً حافياً يلتفت تلفّت المشدوه الذي لم يُبصر في عمره مدينة كبيرة، يتوسم في وجوه الناس بفضول ظاهر فيفرون منه، حتى زال النهار وكلّت رجلاه من المسير، فجلس في ظل دار من هذه الدور الجديدة كئيباً حزيناً.
- ما لك يا عم؟
- ... ...
- ما لك؟ أخبرني، ما شأنك؟
فيرفع الأعرابي رأسه ويحدّق في وجه الرجل، حتى يطمئن