قصص من التاريخ (صفحة 161)

وهبطت المسكينة إلى أرض الحقيقة الصلدة، فإذا هي لم تفارق أرضها ولم تَطِرْ في سماء الأماني. وإذا هي تتحسس وجهها فتلقاه ذابلاً ذاوياً ذا غضون، ولا تلقى على لسانها من قبل الحبيب إلا مرارة الفقد، ولا تجد في قلبها إلا ذكرى الفاجعة (التي تركت لأجلها دنياها، وبنت ديرها فحبست فيه نفسها). فماذا يريد منها هذا الرجل الذي اقتحم عليها معتزلها في هذه العشية الساكتة؟ أجاء يخطب عجوزاً قد بقيت وحدها إرثاً من الدنيا التي فنيت واضمحلت (دنيا النعمان وكسرى) للدنيا التي يظهر أنها لن تضمحل أبداً (دنيا محمد صلى الله عليه وسلم)؟ أيريد أن يتزوج ميتة تمشي؟ لا؛ بل هو يريدها لأنها ابنة النعمان.

ونسيت تطوافها الأليم بمرابع ماضيها، وغاب عنها الحبيب الذي كان يتراءى لها من وراء حجب الزمان، وأدركها إرثها الماجد من حزم النعمان فقالت للمغيرة:

«لو علمتُ أن فيّ خصلة من جمال أو شباب رغبتْك فيّ لأجبتك، ولكنك أردت أن تقول في المواسم: ملكت مملكة النعمان بن المنذر ونكحت ابنته. فبحق معبودك، هذا أردت؟

قال: إي والله.

قالت: لا سبيل إليه» (?).

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015