قصص من التاريخ (صفحة 159)

تركت له ولقومه ملك أبيها، فلِمَ لا يترك لها ديرها؟ وفكرت ... ثم أذنت له. فدخل عليها، فبسطت له مسحاً وسألته: ما جاء بك؟ قال: جئتك خاطباً!

خاطباً؟! إنها كلمة لم تسمعها من عمر طويل، فلما طرقت سمعها هزت وتراً في قلبها كان قد صدئ ونسيت ضيفها وقفزت إلى الماضي فغابت عن حاضرها، وغرقت في ذهلة عميقة امتدت أبداً، والمغيرة يرقب جوابها، ولكنه كان أكيَسَ من أن يفسد عليها أحلامها، فانتظر صابراً.

تخيلت أنها قد عادت فجأة تلك الفتاة التي كانت فتنة القلب والنظر وكانت مطمح الأنفس والفِكَر، قد جمع الله لها المجد كله والجمال كله، فهي عروس الزمان بهاء وحسناً، وهي بنت النعمان أعز عربي عزاً وأمجده مجداً. وأنها قد عادت أيام الحيرة، ورجع الفصح والشعانين، فخرجت إلى البيعة تتقرب فيها، فلما احتوتها البيعة وأمنت الأنظار ألقت عنها خمارها وأخرجت هذه اللؤلؤة من صدفتها، وأبدت ذلك الجسم الذي كانت تتقطع على الوصول إليه قلوب الرجال، ولم تدرِ أن الزمان أراد أن يؤلّف قصة حب تتلى بعد أربعة عشر قرناً، فجاء بعدي بن زيد، الشاعر الجميل، ليختلس النظر إليها ويقع في قلبه هواها. فلما رأته استترت منه وسبّت جواريها، وظنت أن القصة خُتمت قبل أن تفتح؛ لم تدرِ أنها قد سُطرت منها الأسطر الأولى لتكون سفر سعادتها العاجلة وشقائها الطويل.

لقد كانت جاريتها مارية تحب عدياً ولا تجد إلى الوصول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015