قصص من التاريخ (صفحة 157)

ماضيها. وما أصعب أن يعيش المرء في الماضي! ثم تذكر أنه لم يبق أحد من ناس بلدها الحبيب. لقد ذهبوا، ولا تدري أين ذهبوا ولِمَ بقيت هي وحدها من بعدهم؟ وجاء هؤلاء، ولا تدري من أين جاؤوا.

حتى تغرب الشمس وراء الأفق البعيد وتمشي الظلمة إلى الكون، فتعود وفي قلبها ظلمة أخرى، ولكنها لا تأمل أن يكر عليها فجر يوم جديد. لقد خلّفت ضياء الفجر في طريق العمر فلا تملك أن تعود إليه. لقد كُتب عليها أن تعيش في ليل دائم، وصمت سرمدي، هو صمت هذه الصحراء التي وسع صدرها أسرار الزمان ثم أغلق عليه إلى الأبد. كم بين ترابها ورملها، كم تحت روابيها وقبورها من بقايا قلوب كانت محبة وكانت محبوبة، وأجسام كان فيها فتنة وجمال. وما أقرب ما يصير قلبها هي (أيضاً) تراباً فيها تطؤه أقدام لا تعرف أصحابها. فما الحب، وما الجمال، وما الدنيا؟ إنها زوال في زوال!

وقامت العجوز تجر رجلها إلى الدير لتبدأ ليلة مملة طويلة، كآلاف الليالي التي مرت بها من قبل، ليالي لا آخر لها ولا أمل يسطع من خلالها.

إن السجين يأمُل بالعفو ويرجو الحرية، ويتسلى بحديث الرفاق ويأنس بأحداث السجن. وهي لا ترجو شيئاً، ولا تأنس بأحد، ولا تتسلى بحادث. ولطالما أمضت ليالي قصيرة حلوة، تلك هي ليالي الحب والوصال، ليالي زوجها عدي فتى الفتيان وأبيها النعمان. إنها كلما فكرت فيها رأتها دانية منها قريبة كأنها لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015