نفسه وعلى طلبة العلم ثلاثين ألف دينار، أرأيت مثل هذا؟ أسمعت به؟ إنه لم يجلس للناس حتى بلغ من العلم والعبادة مبلغ مَن يشهد له ابن عمر، أفتعرف من هو ابن عمر أم أنت لم تسمع به؟
فقال فرّوخ: بلى؛ لقد عرفت، لقد عرفت. وقام إلى فرسه وقد ارتبطها بباب المسجد، فركبها وحمل رمحه وانطلق إلى داره، وقد هاجت في نفسه ذكرياته وشكوكه وعادت إليها صورة زوجته، فإذا هو يبصرها للمرة الواحدة والسبعين بثيابها البيضاء تشير إليه ألا يذهب، وصورة الثلاثين ألفاً.
ماذا جرى عليها، وأي جديد مفاجئ ستلقاه به المقادير؟
ولم تكن داره نائية عن المسجد، فبلغها بعد قليل ونزل عن فرسه ورمحه بيده، وهمّ بخفق الباب، فما راعه إلا شاب حسن الثياب، مكتمل الفتوة، يخرج منه، تشيعه امرأته. نعم؛ امرأته سهيلة. لقد عرفها من النظرة الأولى برغم ما تغيرت، ورآها بعينه تشيّع هذا الشاب ثم تدخل وتغلق الباب، فهاج دمه في عروقه وأقبل عليه مزمجراً صارخاً، فنحّاه عن الباب وهمّ بدخول المنزل، فعجب منه الشاب.
«وصاح به: يا عدو الله، أتهجم على منزلي؟ قال: بل أنت عدو الله، تدخل على زوجتي؟
وتواثبا، وتلبب كل منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران، وبلغ مالك بن أنس والمشيخة فأتوا يعينون ربيعة، فجعل ربيعة يقول: والله لا أفارقك إلا عند السلطان. وجعل فرّوخ يقول: ولا أفارقك إلا بالسلطان، وأنت مع امرأتي.