تكن قد أنشئت عليه هذه القبة لأن القوم لا يزالون إلى ذلك العهد على السنة الصحيحة، ولم تكن هذه البدع وهذه المظاهر قد عرفت طريقها إلى نفوسهم)، فذهب يؤم منزله وهو بسلاحه على راحلته، وكان يعرفه كأنه قد فارقه أمس. ولم تتغير المدينة عن عهده بها كثيراً، ولكن آثر أن يغلب هواه ويقهر رغبته، ويبدأ بمسجد الرسول. ومَنذا الذي يدخل المدينة ولا يبدأ بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
صلى في الروضة، وسلم على الرسول، ثم تلفت فإذا هو بحلقة عظيمة تزدحم فيها العمائم، فتطاوَلَ فلم يبصر وجه صاحبها ولم يعرفه، فوقف يستمع فسمع عجباً أنساه الدار والمال والزوجة، فظل في مكانه حتى أذّن المؤذن بالعصر فانفضّت الحلقة، وذهب فرّوخ يصلي مع الجماعة فشغلته الصلاة عن كل شيء.
لم ير فرّوخ المدرّس ولم يعرفه، فذهب يسأل جاره. قال له: من صاحب الحلقة التي كانت هنا آنفاً؟
فحدق فيه الرجل وقال له: ألا تعرفه؟ ألا تعرف ربيعة الرأي؟ من أين أنت أيها الرجل؟
- غريب قدم الساعة. فمَن ربيعة الرأي هذا؟
- هذا فقيه البلد وإمامه. هذا شيخ مالك وسفيان الثوري وشعبة والليث بن سعد .. ألا تعرف هؤلاء؟ هؤلاء هم علماء المسلمين وأئمة الدنيا. هذا الذي يجلس في حلقته أربعون معتمّاً من شيوخ الحديث. أعرفت من هو ربيعة الرأي؟ هذا الذي أنفق على