واجه العدو وانغمس في القتال، فلم يكن يذكرها إلا حين يأوي إلى فراشه. ثم أمعن في الجهاد، فلم يعد يذكرها أبداً، وظن أنه لم يبقَ لها في نفسه أثر حتى انفجرت ذكرياته كلها في هذه الليلة انفجاراً.
وجعل يتخيل هذه الدهشة اللذيذة التي ستغمرها حين تراه قد عاد إليها، ولم يعد يقوى على البقاء، وتمنى لو طار إلى المدينة طيراناً.
لقد خرج منها وهو شاب ما في وجهه ولا في رأسه شعرة بيضاء، فاشتعل رأسه ولحيته شيباً. وتصور - كرة أخرى - أنه سيموت فاستفظع أن يموت ولمّا يَرَ زوجته، ولمّا يقبض ماله، ولمّا يرَ العقيق ووادي النقا ومسجد الرسول.
واشتد به الحنين، فأسرع من فوره إلى القائد يستأذنه بالقفول.
* * *
عاد يطوي البلدان؛ لا يستقر في مكان ولا يقيم في بلد حتى يعاوده الحنين فيدعه يوالي مسيره، لا ينقطع لحظة عن التفكير في زوجته وماله، تلك الثلاثون ألف دينار، ثروته كلها وكنزه الذي يبني عليه الأماني. إنه سيضم إليه هذه الأربعة من الآلاف التي جمعها من عطائه ومن نصيبه من الغنائم. وكان يتصور ألوان الممكنات، ولكنه لا يطمئن إلى صورة حتى ينتقل إلى غيرها، لا يهدأ ولا يستريح، وكان يخشى أن يدركه الأجل قبل أن يبلغ