قصص من التاريخ (صفحة 147)

وقفت على الباب تودعه وتسأله ألا يذهب، فلا يبالي بها ويمضي لطيته. وكانت ليلة قمراء. إنه يذكرها كأنها كانت أمس، ويذكر العقيق وأهله ... ثم يفكر في حاضره. إنه سيموت وحيداً شريداً لا يدري به أحد. إنه لا يبالي الدنيا ولا يحفل الناس، وحسبه أنه سيموت مجاهداً في سبيل الله، ولكن ألا يسأله الله عن زوجته؟

وأحس - في تلك الساعة - بإساءته إليها، وانطلق يفكر فيها: هل هي حية لا تزال أم هي ماتت حزناً وكمداً؟ وهل هي في المدينة أم قد رحلت فلا يدري أي أرض تقلها وأي سماء تظلها؟ وهل بقيت على العهد بها أم قد استهواها الشيطان ووطأ لها أكناف المعصية؟ والثلاثون ألف دينار؛ هذا الكنز، ماذا صنعت به؟ هل احتفظت به أم أنفقته؟ وإن تكن قد ماتت فماذا جرى على المال وأي يد ألقيت عليه؟

وطفق يذكر ويقلب صفحات سبع وعشرين سنة ... هجر فيها زوجته وتركها تتقلب وحدها على الفراش، تفكر فيه كل ليلة وتشتاق إليه وتمني نفسها بعودته في صباحها. تسعة آلاف وسبعمئة وعشرين ليلة ... غبرت عليها وهي تتجرع كل ليلة منها هذه الكأس. فماذا حملت من همّ، وماذا ذاقت من ألم؟ وهل بقيت بعد ذلك في الأحياء؟

وتمنى لو أن مخبراً يخبره عنها وعن ماله ثم يطلب إليه ما يشاء، وأحس كأن رأسه سيصدع من التفكير، ولكنه طفق يفكر على الرغم منه.

ذكر كيف لبث أياماً وليالي لا تفارق صورتها مخيلته، حتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015