عمر بن أبي ربيعة ينضح حواشيه بشعره. كم غنى فيه معبد وابن سريج ومالك بن أبي السمح وعزة الميلاء، فاستفاضت ألحانهم على صفحة الماء وشطآن الأفق، وطفت على وجه النسيم ففتنت الجبال والربا، وسكر منها شعاع القمر، فضلّ طريقه مترنحاً في مسالك الجو.
كم رأى العقيق من العلماء الزاهدين كعروة ومالك، والسمحاء الأكرمين كابن جعفر وسعيد بن العاص، والمجّان المخنثين كأشعب وطويس والدلال.
كم رأى العقيق من تاريخنا الأدبي والفني. كم ألهم شعراءنا رائعات الشعر ومعجزات القصيد.
* * *
إذا جلتَ تلك الليلة في أنحاء العقيق رأيت على طرف الحرة، مما يلي بئر عروة وقصره، حيث تنحدر الرمال الطرية حتى تبلغ الماء وتدلي فيه أقدامها ... رأيت سرباً من الظباء الفاتنات يتدافعن ويتراششن بالماء، وهن يتصايحن ويتضاحكن فرحات عابثات، حتى إذا تعبن جلسن على الرمل يتأملن صفحة الماء (وللماء الجاري في الحجاز سحر ليس للفرات مثله ولا للنيل) وينظرن مأخوذات بجمال هذه الليلة وفتونها. وكنَّ يتلفتن أثناء الحديث كأنهن يرقبن من يطلع عليهن من الثنيّة، فلما طال الانتظار قالت واحدة منهن: لقد طال غياب سهيلة، فيا ليت شعري ماذا عاقها عنا هذه الليالي المقمرات؟