وكانت هيلانةَ بذاتها، أفاقت فلم تجد طفلها فخرجت من الخيمة جاحظة العينين مجنونة تصيح باسم ولدها وهي تعدو على غير هدى، تسير في كل سبيل تسأل كل من ترى عن ولدها هل رأى ولدها: أين ذهب ولدي؟ ماذا أعمل؟ ساعدوني، فتشوا لي عن ولدي. أين ذهب؟ هل مات؟ من أخذه؟ أأكلته الذئاب؟ وهل تدخل الذئاب إلى المعسكر؟ أم قد سرقه اللصوص؟ آه، أين أنت يا ولدي؟ ألا تردونه علي؟ ارحموني يا ناس، فتشوا لي عن ولدي ...
وانطلقت تعدو في أرجاء المعسكر حتى بلغت خيمة القواد فاقتحمتها، وهبطت على أقدامهم تولول وتصيح. فأخذتهم الشفقة بها ولكنهم كانوا عاجزين عن معونتها، فصمتوا. وبالغت في البكاء والتوسل، فرأى القائد منهم أن يبعث بها إلى صلاح الدين.
إن الرجل شهم وشريف، وفارس نبيل، وما نحسبه يسد أذنيه دون شكوى امرأة مفجوعة تسقط على قدميه باكية ذليلة ترجوه أن يرد عليها ولدها الوحيد ... وهو الذي قبض بالأمس على قائد الحملة الفرنسية، فلما صار بين يديه وانتظر القتل لم يرَ منه إلا الإكرام والإحسان؛ خلع عليه وقدمه ورفع مجلسه وسيّره إلى دمشق معززاً مكرماً، فلم يستطع القائد أن يرفع بصره إليه لعجزه عن شكره ولخجله من نفسه حين قابل بين صنيع السلطان به وصنيعه هو بمن أسرهم من قواد السلطان.
ووافق القواد على ما وُصف به صلاح الدين من النبل والشرف والإنسانية، فسيروا المرأة إليه. فانطلقت تعدو حتى