ولم يُساعده قلبه على الوقوف حيث وقفت، فإن ذلك مجاوز حدَّ الشجاعة وحدَّ العقل، فلا يقتضيه أحدهما بحالٍ، ويدلُّك عليه ما يتقدمه، وهو قوله:
وقفتَ وما في الموتِ شكٌ لواقفٍ ... كأنَّك في جفنِ الرَّدى وهو نائمُ
(بضربٍ أتى الهاماتِ والنَّصرُ غائبٌ ... وصار إلى اللَّبَّاتِ والنَّصرُ قادمُ)
قال أبو الفتح: يقول إذا ضربت عدواً، فحصل سيفك في رأسه لم تعتدد ذلك نصراَ ولا ظفراً، فإذا فلق السيف رأسه فصار إلى لبَّته، فحينئذ يكون ذلك عندك نصراً، ولا يرضيك ما دونه.
قال الشيخ: ليس في البيت من هذا التقدير شيء إذ ليس يقول: يعتدُّ هذا نصراً، ولا يعتدُّ ذلك نصراً، وليس النصر ما يعتدُّه الإنسان أو يقدِّرُه، وإنما يقول: ضممت جناحيهم على قلبهم ضمَّة، وفتحت هذا الفتح العظيم بضربٍ، أتى الهام، والنصر بعدُ غائب، لأنه لم يدرِ كيف يكون أثره؟ أيعمل في المضروب عمله، وتكون اليد والنَّصرة له أم ينبو السيف؟ ولا يجيئك في المضروب، فيميل المضروب على الضارب، فيغلبه، وينقلب الأمر عليه؟ فلما رسب إلى الصدور بعد الهام والرؤوس والأعناق والفِهاق قدم النَّصر إذ ذلك لتبيُّن الضارب من المضروب والغالب من المغلوب.