شرح الأثر:

(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) رضي الله عنهما (قَالَ: إِنَّمَا كُنَّا نَحْفَظُ الْحَدِيثَ) بالبناء للفاعل: أي نأخذ من الناس الحديث، ونحفظه. وقوله: (وَالْحَدِيثُ يُحْفَظُ) بالبناء للمفعول، جملة في محلّ نصب على الحال من "الحديث" (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-) متعلّق بـ "يُحفَظ" (فَأَمَّا إِذْ) ظرفية (رَكِبْتُمْ كُلَّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ، فَهَيْهَاتَ) قال القاضي عياض رَحِمَهُ اللهُ تعالى: أي ما أبعد استقامة أمركم، أو فما أبعد أن نثق بحديثكم، ونسمع منكم، ونُعَوِّل على روايتكم. انتهى (?).

وقال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في "شرحه": قوله: "فهيهات": أي بَعُدت استقامتكم، أو بَعُد أن نَثِقَ بحديثكم. و"هيهات": موضوعة لاستبعاد الشيء، واليأس منه. قال الإمام أبو الحسن الواحديّ: "هيهات": اسم سُمِّي به الفعل، وهو بَعُدَ في الخبر، لا في الأمر، قال: ومعنى "هيهات": بَعُدَ، وليس له اشتقاق؛ لأنه بمنزلة الأصوات، قال: وفيه زيادة معنى ليست في بَعُدَ، وهو أن المتكلم يخبر عن اعتقاده استبعاد ذلك الذي يخبر عن بعده، فكأنه بمنزلة قوله: بَعُد جِدّا، وما أبعده، لا على أن يعلم المخاطب مكان ذلك الشيء في البعد، ففي "هيهات" زيادة على "بَعُد"، وإن كنا نفسره به، ويقال: هيهات ما قلتُ، وهيهات لِمَا قلتُ، وهيهات لك، وهيهات أنت.

قال الواحدي: وفي معنى هيهات ثلاثة أقوال:

[أحدها]: أنه بمنزلة بَعُدَ، كما ذكرناه أَوّلًا، وهو قول أبي علي الفارسي، وغيره من حُذّاق النحويين.

[والثاني]: بمنزلة بعيد، وهو قول الفراء.

[والثالث]: بمنزلة البعد، وهو قول الزجاج، وابن الأنباري، فا لأول نجعله بمنزلة الفعل، والثاني بمنزلة الصفة، والثالث بمنزلة المصدر. وفي "هيهات": ثلاث عشرة لغة، ذكرهن الواحديّ: "هيهات" -بفتح التاء، وكسرها، وضمها، مع التنوين فيهن، وبحذفه، فهذه ست لغات، و"أيهات" بالألف بدل الهاء الأولى، وفيها اللغات الست أيضا. والثالثة عشرة: "أيها" بحذف التاء من غبر تنوين. وزاد غير الواحديّ: "أيئات" بهمزتين بدل الهاءين، والفصيح المستعمل من هذه اللغات استعمالًا فاشيًا "هيهات" بفتح التاء بلا تنوين. قال الأزهريّ: واتفق أهل اللغة على أن تاء هيهات ليست أصلية، واختلفوا في الوقف عليها، فقال أبو عمرو، والكسائيّ: يوقف بالهاء. وقال الفراء:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015