الحافظ: ما ذكره النووي في "شرح مسلم" من جهة الأكثرين (?)، أما المحققون فلا، فقد وافق ابن الصلاح أيضًا محققون. وقال في "شرح النخبة": الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم، خلافا لمن أبى ذلك، قال: وهو أنواع، منها: ما أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"، مما لم يبلغ التواتر، فإنه احْتَفّ به قرائن، منها: جلالتهما في هذا الشأن، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم، من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر، إلا أن هذا مختص بما لم ينتقده أحد من الحفاظ، وبما لم يقع التجاذب بَين مدلوليه، حيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر، وما عدا ذلك فالإجماع حاصل على تسليم صحته. قال: وما قيل من أنهم إنما اتفقوا على وجوب العمل به، لا على صحته ممنوع؛ لأنهم اتفقوا على وجوب العمل بكل ما صح، ولو لم يخرجاه، فلم يبق للصحيحين في هذا مزية، والإجماع حاصل على أن لهما مزية فيما يرجع إلى نفس الصحة. قال: ويحتمل أن يقال: المزية المذكورة كون أحاديثهم أصح الصحيح. قال: ومنها المشهور، إذا كانت له طرق متباينة، سالمة من ضعف الرواة والعلل، وممن صرح بإفادته العلم الأستاذ أبو منصور البغدادي. قال: ومنها المسلسل بالأئمة الحفاظ، حيث لا يكون غريبا، كحديثٍ يرويه أحمد مثلا، ويشاركه فيه غيره، عن الشافعي، ويشاركه فيه غيره، عن مالك، فإنه يفيد العلم عند سماعه بالإستدلال، من جهة جلالة رواته.
قال: وهذه الأنواع التي ذكرناها لا يحصل العلم فيها إلا للعالم المتبحر في الحديث، العارف بأحوال الرواة والعلل، وكونُ غيره لا يحصل له العلم لقصوره عن الأوصاف المذكورة، لا ينفي حصول العلم للمتبحر المذكور.
وقال ابن كثير: وأنا مع ابن الصلاح فيما عَوّل عليه، وأرشد إليه، قال السيوطيّ: وهو الذي أختاره، ولا أعتقد سواه. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول بإفادة خبر الواحد المستجمع لشروط الصحّة ولا سيما إذا احتفّ بالقرائن العلمَ، لا الظنَّ هو الحقّ، كما اختاره ابن الصلاح، وابن كثير، والسيوطيّ بالنسبة لما في "الصحيحين"، وكما اختاره المحقّقون الآخرون بالنسبة إلى أحاديث غيرهما، ومنهم أبو المظفّر السمعانيّ، والإمام ابن تيمية،